البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٢ - الصفحة ٥٤٢
خلقه، وأما حج النبي صلى الله عليه وسلم راكبا فلانه كان القدوة فكانت الحاجة ماسة إلى ظهوره ليراه الناس وسيأتي إيضاحه إن شاء الله تعالى في محله. ولا يماكس في شراء الأدوات والزاد، ويستحب أن يجعل خروجه يوم الخميس أو يوم الاثنين ويفعل ما ذكره العلماء في آداب السفر.
قوله: (فرض مرة على الفور) أي فرض الحج في العمرة مرة واحدة في أول سني الامكان. والفور في اللغة من فور القدر غليانها، وفعل ذلك من فوره أي من وجهه ذلك وهو من فور القدر قبل أن تسكن قال الله تعالى * (من فورهم هذا) * (آل عمران: 125) ولم يذكر المصنف فرضيته قصدا لأنها من المسائل الاعتقادية فليست من مسائل الفقه لأن مسائلة ظنية، وإنما ذكره توطئة لما بعده ودليله القرآني * (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) * (آل عمران: 97) والسنة كثيرة. أما كونه لا يتعدد فلان سببه وهو البيت كذلك، وأما تكرر وجوب الزكاة مع اتحاد المال فلان سببه هو النامي تقديرا وتقدير النماء دائر مع حولان الحول إذا كان المال معدا للاستنماء في الزمان المستقبل، وتقدير النماء الثابت في هذا الحول غير تقدير النماء في حول آخر، فالمال مع هذا النماء غير المجموع منه ومن النماء الآخر فيتعدد حكما كتعدد الوجوب بتعدد النصاب، ولرواية أحمد مرفوعا الحج مرة فمن زاد فهو تطوع (1). وأما كونه على الفور فهو قول أبي يوسف وأصح الروايتين عن أبي حنيفة، وعند محمد يجب على التراخي والتعجيل أفضل. كذا في الخلاصة. وتحقيقه أن الامر إنما هو طلب المأمور به ولا دلالة له على الفور ولا على التراخي فأخذ به محمد وقواه بأنه عليه السلام حج سنة عشر وفرضية الحج كانت سنة تسع فبعث أبا بكر حج بالناس فيها ولم يحج هو إلى القابلة. وأما أبو حنيفة وأبو يوسف فقا: الاحتياط في تعيين أول سني الامكان لأن الحج له وقت معين في السنة والموت في سنة غير نادر فتأخيره بعد التمكن في وقته تعريض له على الفوات فلا يجوز، وبهذا حصل الجواب عن تأخيره عليه الصلاة والسلام إذ لا يتحقق في حقه تعريض الفوات وهو الموجب للفور لأنه كان يعلم أنه يعيش حتى يحج ويعلم الناس مناسكهم تكميلا للتبليغ. وبهذا التقرير علم أن الفورية ظنية لأن دليل الاحتياط ظني ومقتضاه الوجوب فإذا أخره وأداه بعد ذلك وقع أداء ويأثم بالتأخير لترك الواجب، وثمرة الاختلاف تظهر فيما إذا أخره فعلى الصحيح يأثم ويصير فاسقا مردود الشهادة، وعلى قول
(٥٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 537 538 539 540 541 542 543 544 545 546 547 ... » »»
الفهرست