البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ١ - الصفحة ١٩٧
وجب نزحه لتخرج النجاسة معه حقيقة، لكن قال في السراج الوهاج: ولو وقعت في البئر خشبة نجسة أو قطعة من ثوب نجس وتعذر إخراجها وتغيبت فيها طهرت الخشبة والقطعة من الثوب تبعا لطهارة البئر. وعزاه إلى الفتاوى. وفي المجتبى ومعراج الدراية: ونزحه أن يقل حتى لا يمتلئ الدلو منه أو أكثره ا ه‍. أي ونزح ماء البئر لكن هذا إنما يستقيم فيما إذا كانت البئر معينا لا تنزح وأخرج منها المقدار المعروف، أما إذا كانت غير معين فإنه لا بد من إخراجها لوجوب نزح جميع الماء. ثم البئر مؤنثة مهموزة ويجوز تخفيف همزها وهي مشتقة من بأرت أي حفرت وجمعها في القلة أبؤر وأبآر بهمزة بعد الباء فيهما، ومن العرب من يقلب الهمزة في أبآر وينقل فيقول آبار وجمعها في الكثرة بآر بكسر الباء بعدها همزة. كذا ذكر النووي في شرح مسلم من كتاب الايمان والاسلام. واعلم أن مسائل الآبار مبنية على اتباع الآثار دون القياس فإن القياس فيها إما أن لا تطهر أصلا كما قال بشر لعدم الامكان لاختلاط النجاسة بالأوحال والجدران والماء ينبع شيئا فشيئا، وإما أن لا تتنجس اسقاطا لحكم النجاسة حيث تعذر الاحتراز أو التطهير كما نقل عن محمد أنه قال: اجتمع رأيي ورأي أبي يوسف أن ماء البئر في حكم الجاري لأنه ينبع من أسفله ويؤخذ من أعلاه فلا يتنجس كحوض الحمام. قلنا: وما علينا أن ننزح منها دلاء أخذا بالآثار ومن الطريق أن يكون الانسان في يد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم كالأعمى في يد القائد. كذا في فتح القدير وغيره من الشروح، وفي البدائع بعد ما ذكر القياسين قال: إلا أنا تركنا القياسين الظاهرين بالخبر والأثر وضرب من الفقه الخفي. أما الخبر فما روى أبو جعفر الاستروشني بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الفأرة تموت في البئر ينزح منها عشرون، وفي رواية ثلاثون. وعن أبي سعيد الخدري أنه قال في دجاجة ماتت في البئر ينزح منها أربعون دلوا.
وعن ابن عباس وابن الزبير أنهما أمرا بنزح جميع ماء زمزم حين مات فيها زنجي وكان بمحضر من الصحابة ولم ينكر عليهما أحد فانعقد الاجماع عليه.
وأما الفقه الخفي فهو أن في هذه الأشياء دما مسفوحا وقد تشرب في أجزائها عند الموت فنجسها وقد جاور هذه الأشياء الماء والماء يتنجس أو يفسد بمجاورة النجس لأن الأصل أن ما جاور النجس نجس بالشرع. قال صلى الله عليه وسلم في الفأرة تموت في السمن الجامد يقور ما حولها ويلقى وتؤكل البقية. فقد حكم النبي صلى الله عليه وسلم بنجاسة جار النجس، وفي الفأرة ونحوها ما يجاورها من الماء مقدار ما قدره أصحابنا وهو عشرون دلوا أو ثلاثون لصغر
(١٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 ... » »»
الفهرست