البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ١ - الصفحة ١٨٦
إذا كان جلد ما لا يؤكل كالحمار فإنه لا يجوز أكله إجماعا لأن الدباغ فيه ليس بأقوى من الذكاة وذكاته لا تبيحه فكذا دباغه ا ه‍. وهذا الذي قدمناه في جلود الميتات كله مذهبنا وللعلماء فيه سبعة مذاهب ذكرها الإمام النووي في شرح المهذب فنقتصر منها على ما اشتهر من المذاهب، منها ما ذهب إليه الشافعي أن كل حيوان ينجس بالموت طهر جلده بالدباغ ما عدا الكلب والخنزير وما تولد منهما أو من أحدهما فلا يدخل الآدمي في هذا العموم عنده لأن الصحيح عنده أن الآدمي لا ينجس بالموت فجلده طاهر من غير دبغ لكن لا يجوز استعماله لحرمته وتكريمه. ومنها ما ذهب إليه أحمد أنه لا يطهر بالدباغ شئ وهو رواية عن مالك. ومنها ما ذهب إليه مالك أنه يطهر الجميع حتى الكلب والخنزير إلا أنه يطهر ظاهره دون باطنه فيستعمل في اليابس دون الرطب. وجه قول أحمد قوله تعالى * (حرمت عليكم الميتة) * (المائدة: 3) وهو عام في الجلد وغيره، وحديث عبد الله بن حكيم قال: أتانا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بشهر أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب. رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم. قال الترمذي حديث حسن. ووجه قول مالك أن الدباغ إنما يؤثر في الظاهر دون الباطن. ووجه قول الشافعي ما رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم من رواية ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إيما إهاب دبغ فقد طهر وفي صحيح مسلم إذا دبغ الإهاب فقد طهر وهو حديث حسن صحيح. وما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في شاة ميتة هلا أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به قالوا: يا رسول الله أنها ميتة قال: إنما حرم أكلها. وفي الباب أحاديث أخر ذكرها النووي في شرح المهذب. وإنما خرج الكلب والخنزير لأن الحياة أقوى من الدباغ بدليل أنها سبب لطهارة الجملة والدباغ إنما يطهر الجلد، فإذا كانت الحياة لا تطهرهما فالدباغ أولى. ولنا ما ذكرناه من الأحاديث في دليل الشافعي وهو كما تراه عام فإخراج الخنزير منه لمعارضة الكتاب إياه وهو قوله تعالى * (أو لحم خنزير فإنه رجس) * (الانعام: 145) بناء على عود الضمير إلى المضاف إليه لأنه صالح لعوده، وعند صلاحية كل من المتضايفين لذلك يجوز كل من الامرين. وقد جوز عود ضمير ميثاقه في قوله تعالي * (ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه) * (البقرة: 27) إلى كل من العهد ولفظ الجلالة، وتعين عودة إلى المضاف إليه في قوله تعالى * واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون) * (النحل: 114) ضرورة صحة الكلام وإلى المضاف في قولك رأيت ابن زيد فكلمته لأنه المحدث عنه بالرؤية رتب على الحديث الأول عنه الحديث الثاني فتعين هو مرادا
(١٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 ... » »»
الفهرست