البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ١ - الصفحة ١٩٣
كذا في فتح القدير مختصرا. وفي البدائع: لأصحابنا طريقان: أحدهما أن هذه الأشياء ليست بميتة لأن الميتة من الحيوانات في عرف الشرع اسم لما زالت حياته لا بصنع أحد من العباد أو بصنع غير مشروع ولا حياة في هذه الأشياء فلا تكون ميتة. والثاني أن نجاسة الميتات ليست لأعيانها بل لما فيها من الدماء السائلة والرطوبات النجسة ولم توجد في هذه الاجزاء ا ه‍.
وقد اقتصر في الهداية على الطريقة الأولى، وفي غاية البيان على الثانية، ولا يخفى أن الطريقة المذكورة في الهداية لا تجري في العصب لأن فيه حياة لما فيه من الحركة، ألا ترى أنه يتألم الحي بقطعه بخلاف العظم فإن قطع قرن البقرة لا يؤلمها فدل أنه ليس في العظم حياة. كذا في النهاية. ولهذا كان فيه روايتان، فالأولى هي الطريقة الثانية وعليها لا يحتاج إلى الجواب عن قوله تعالى * (قال من يحيى العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة) * [يس:
79] فإن هذه الأشياء من الميتات إلا أن نجاسة الميتات إنما هي لما فيها من الدماء والرطوبات والعصب صقيل لا يتصور فيه ذلك، وكذا في العظم والشعر. وأما الجواب عن الآية على الطريقة الأولى فمن ثلاثة أوجه: الأول ما ذكره في الكشاف بقوله: ولقد استشهد بهذه الآية من يثبت الحياة في العظام ويقول إن عظام الموتى نجسة لأن الموت يؤثر فيها من قبل أن الحياة تحلها، وأما أصحاب أبي حنيفة رحمهم الله فهي عندهم طاهرة وكذلك الشعر والعصب ويزعمون أن الحياة لا تحلها فلا يؤثر فيها الموت ويقولون المراد بإحياء العظام في الآية ردها إلى ما كانت عليه غضة رطبة في بدن حي حساس ا ه‍. ولا يتوهم أن صاحب الكشاف لم يرتض ما ذكره عن الحنفية بدليل قوله يزعمون لأن زعم مطية الكذب كما قيل لأنا لا نسلم أن زعم خاص في الباطل بل يستعمل تارة فيه وتارة في الحق. فمن الأول قوله تعالى * (زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا) * (التغابن: 7) ومن الثاني قوله من حديث مسلم زعم رسولك أن الله افترض علينا خمس صلوات صرح به النووي في شرح مسلم وأطال الكلام فيه. والثاني أن المراد بالعظام النفوس كما في معراج الدراية وحينئذ يعود الضمير في قوله وهي رميم إلى العظام الحقيقية على طريقة الاستخدام لأن من أقسامه كما عرف في علم البديع أن يراد بلفظ له معنيان أحدهما ثم يؤتي بعده بضمير يعود في اللفظ عليه وفي المعنى على معناه الآخر كقول معاوية بن أبي ملك:
إذا نزل السماء بأرض قوم رعيناه وإن كانوا غضابا فإنه أراد بالسماء المطر وأراد بالضمير في رعيناه النبات والنبات أحد معنى السماء لأنه مجاز عنه باعتبار أن المطر سببه وسوغ له عود الضمير إلى النبات وإن لم يكن تقدم له ذكر
(١٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 ... » »»
الفهرست