جثتها. فحكم بنجاسة هذا القدر من الماء لأن ما وراء هذا القدر لم يجاور الفأرة بل جاورها ما جاور الفأرة، والشرع ورد بتنجيس جار الخبث لا بتنجيس جار جار النجس، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بطهارة جار السمن الذي جاور الفارة، وحكم بنجاسة ما جاور الفارة، وهذا لأن جار جار النجس لو حكم بنجاسته لحكم أيضا بنجاسة ما جاور جار النجس ثم هكذا إلى ما لا نهاية له، فيؤدي إلى أن قطرة من بول أو فارة لو وقعت في بحر عظيم أن يتنجس جميع مائه لاتصال بين أجزائه وذلك فاسد. وفي الدجاجة والسنور وأشباه ذلك المجاورة أكثر لزيادة ضخامة في جثتها فقدر بنجاسة ذلك القدر والآدمي وما كان جثته مثل جثته كالشاة ونحوها مجاور جميع الماء في العادة لعظم جثته فيوجب تنجيس جميع الماء، وكذا إذا تفسخ شئ من هذه الواقعات أو انتفخ لأن عند ذلك تخرج البلة منها لرخاوة فيها فتجاور جميع أجزاء الماء وقبل ذلك لا يجاور إلا قدر ما ذكرنا لصلابة فيها، ولهذا قال محمد: إذا وقع في البئر ذنب فأرة ينزح جميع الماء لأن موضع القطع لا ينفك عن بلة فيجاور أجزاء فيفسدها ا ه. وهذا تقرير حسن لو لم يكن مخالفا لعامة كتب أصحابنا فإنها مصرحة بأن مسائل الآبار ليس للرأي فيها مدخل، وما ذكره خلافه. كذا تعقبه شارح المنية. والذي ظهر لي أن ما ذكره في البدائع لا يخالف ما صرحوا به لأنه ذكر أن هذا معنى خفي فقهي لا قياس جلي ولا يكون من قبيل الرأي إلا القياس الجلي. وأما القياس الخفي فهو المسمى بالاستحسان إن قال في التوضيح: القياس جلي وخفي. فالخفي يسمى بالاستحسان لكنه أعم من القياس الخفي فإن كل قياس خفي استحسان وليس كل استحسان قياسا خفيا لأن الاستحسان قد يطلق على غير القياس الخفي أيضا لكن الغالب في كتب أصحابنا أنه إذا ذكر الاستحسان أريد به القياس الخفي، وهو دليل يقابل القياس الجلي الذي يسبق إليه الافهام وهو حجة عندنا لأن ثبوته بالدلائل التي هي حجة إجماعا لأنه إما بالأثر كالسلم والإجارة وبقاء الصوم في النسيان، وإما بالاجماع كالاستصناع، وإما بالضرورة كطهارة الحياض والآبار. وأما بالقياس الخفي إلى آخر ما ذكر في أصول الفقه وكذا في كثير من كتب الأصول، فظهر بهذا أن طهارة الآبار بالنزح إنما ثبتت بالقياس الخفي الذي ثبت بالضرورة.
قوله: (لا ببعرتي إبل وغنم) أي لا ينزح ماء البئر بوقوع بعرتي إبل وغنم فيها وهذا استحسان، والقياس أن يتنجس الماء مطلقا لوقوع النجاسة في الماء القليل كالإناء. وذكر للاستحسان طريقتان: الأولى واختارها صاحب الهداية مقتصرا عليها أن آبار الفلوات ليس