البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ١ - الصفحة ٤٩٨
بتركه. وإنما قال أبو حنيفة بالكفر في هذه المسائل بمجرد الترك عمدا للزوم الاستهزاء به والاستخفاف وهو يقتضي أنه لا فرق في المسائل إذ لا أثر لعدم الجواز في شئ من الأحوال، بل الموجب للاكفار هو الاستهانة وهو ثابت في الكل وإلا فهو منتف في الكل.
وألحق في فتح القدير الصلاة في الثوب النجس كالصلاة بغير طهارة وهو مشكل، فإن بعض أئمة المالكية يقول بأن إزالتها سنة لا فرض ولا يكفر بجحد المختلف فيه، فكيف بتركه من غير جحد كما أشار إليه قاضيخان في فتاواه. وحكى في الذخيرة الاختلاف فيما إذا صلى بغير طهارة ثم قال: ولو ابتلي إنسان بذلك لضرورة بأن كان مع قوم فأحدث واستحيا أن يظهر فكتم ذلك وصلى هكذا أو كان بقرب العدو فقام يصلي وهو غير طاهر قال بعض مشايخنا: لا يكون كافرا لأنه غير مستهزئ. ومن ابتلى بذلك لضرورة أو لحياء ينبغي أن لا يقصد بالقيام قيام الصلاة ولا يقرأ شيئا، وإذا حنى ظهره لا يقصد الركوع ويسبح حتى لا يصير كافرا بالاجماع.
قوله (والخائف يصلي إلى أي جهة قدر) لأن استقبال القبلة شرط زائد يسقط عند العجز. والفقه فيه أن المصلي في خدمة الله تعالى ولا بد من الاقبال عليه والله سبحانه منزه عن الجهة فابتلاه بالتوجه إلى الكعبة لأن العبادة ليست لها، ولهذا لو سجد للكعبة نفسها كفر فلما اعتراه الخوف تحقق العذر فأشبه حالة الاشتباه في تحقق العذر فيتوجه إلى أي جهة قدر لأن الكعبة لم تعتبر لعينها بل للابتلاء وهو حاصل بذلك. أطلقه فشمل الخوف من عدو أو سبع أو لص، وسواء خاف على نفسه أو على دابته. وأراد بالخائف من له عذر فيشمل المريض إذا كان لا يقدر على التوجه وليس عنده من يحوله إليها أو كان التحويل يضره.
والتقييد بعدم وجود من يحوله جرى على قولهما، أما عنده فالقادر بقدرة غيره ليس بقادر كما عرف في التيمم، ويشمل ما إذا كان على لوح في السفينة يخاف الغرق إذا انحرف إليها، وما إذا كان في طين وردغة لا يجد على الأرض مكانا يابسا، أو كانت الدابة جموحا لو نزل لا
(٤٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 493 494 495 496 497 498 499 500 501 502 503 ... » »»
الفهرست