سطح الوجه مسامتا لها، لأن المقابلة إذا وقعت في مسافة بعيدة لا تزول بما تزول به من الانحراف لو كانت في مسافة قريبة، ويتفاوت ذلك بحسب تفاوت البعد وتبقى المسامتة مع انتقال مناسب لذلك البعد، فلو فرض مثلا خط من تلقاء وجه المستقبل للكعبة على التحقيق في بعض البلاد وخط آخر يقطعه على زاويتين قائمتين من جانب يمين المستقبل وشماله لا تزول تلك المقابلة بالانتقال إلى اليمين والشمال على ذلك الخط بفراسخ كثيرة، ولهذا وضع العلماء قبله بلد وبلدين وبلاد على سمت واحد. وفي فتاوى قاضيخان: وجهة الكعبة تعرف بالدليل والدليل في الأمصار والقرى المحاريب التي نصبها الصحابة والتابعون رضي الله عنهم أجمعين، فعلينا اتباعهم في استقبال المحاريب المنصوبة، فإن لم يكن فالسؤال من الأهل. أما البحار والمفاوز فدليل القبلة النجوم إلى آخره.
وفي المبتغى: في معرفة الجهة أربعة أوجه: أحدها في أقصر يوم من السنة وقت طلوع الشمس فاجعل عين الشمس عند مطلعها على رأس أذنك اليسرى فإنك تدركها. وثانيها فاجعل عين الشمس على مؤخر عينك اليسرى عند الزوال فإنك تصيبها. وثالثها فاجعل الشمس على مقدم عينك اليمنى مما يلي الانف عند صيرورة ظل كل شئ مثليه بعد زوالها فإنك تدركها. ورابعها فاجعل عين الشمس على مؤخر عينك اليمنى عند غروب الشمس فإنك تدركها. ووجه آخر أنه إذا كان قبل المهرجان بشهر فاستقبل العقرب وقت صلاة العشاء الأخيرة فإنك تدركها. وإذا جعلت بنات نعش الصغرى على أذنك اليمنى وانحرفت قليلا إلى شمالك فإنك تدركها. وذكر بعضهم أن أقوى الأدلة القطب وهو نجم صغير في بنات نعش الصغرى بين الفرقدين والجدي إذا جعله الواقف خلف أذنه اليمنى كان مستقبلا القبلة إن كان بناحية الكوفة وبغداد وهمدان وقزوين وطبرستان وجرجان وما والاها إلى نهر الشاش، ويجعله من بمصر على عاتقه الأيسر، ومن بالعراق على عاتقه الأيمن، فيكون مستقبلا باب الكعبة، وباليمن قبالة المستقبل مما يلي جانبه الأيسر، وبالشام وراءه. وفي معرفة الجهة أقوال أخرى مذكورة في الخانية وغيرها. أطلق في الاكتفاء بالجهة فأفاد أنه لا يشترط نية الكعبة، وشرطها الجرجاني بناء على أن الفرض إصابة العين للقريب والبعيد، ولا يمكن إصابة العين للبعيد إلا من حيث النية فانتقل ذلك إليها. وذهب العامة إلى عدم اشتراط إصابة العين فلا يشترط نيتها لعدم الحاجة إلى ذلك فإن إصابة الجهة تحصل من غير نية العين، فالحاصل أن نية استقبال القبلة ليست بشرط على الصحيح من المذهب، سواء كان الفرض إصابة العين في حق المكي أو إصابة الجهة في حق غيره كما صححه في التحفة والتجنيس والخلاصة وغيرها حتى قال في البدائع: الأفضل أن لا ينوي الكعبة لاحتمال أن لا تحاذي هذه الجهة الكعبة فلا تجوز