البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ١ - الصفحة ٢٦٧
كما وقع في الهداية، لأن القدرة أعم من أن تكون برؤية الماء أو بغيره، فإن المريض إذا تيمم للمرض ثم زال مرضه انتقض تيممه كما صرح به قاضيخان في فتاواه. ومن تيمم للبرد ثم زال البرد انتقض تيممه كما صرح به في المبتغى. فإذا تيمم للمرض أو للبرد مع وجود الماء ثم فقد الماء ثم زال المرض أو البرد ينتقض تيممه لقدرته على استعمال الماء وإن لم يكن الماء موجودا. فالحاصل أن كل ما منع وجوده التيمم نقض وجوده التيمم، وما لا فلا. فلو قالوا وينقضه زوال ما أباح التيمم لكان أظهر في المراد، وإسناد النقض إلى زوال ما أباح التيمم إسناد مجازي لأن الناقض حقيقة إنما هو الحدث السابق بخروج النجس، وزوال المبيح شرط لعمل الحدث السابق عمله عنده، واستدلوا له بقوله صلى الله عليه وسلم التراب طهور المسلم ولو إلى عشر حجج ما لم يجد الماء (1) لأن مقتضاه خروج ذلك التراب الذي تيمم به من الطهورية إذا وجد الماء، ويستلزم انتفاء أثره وهو طهارة المتيمم لكن قال في فتح القدير: ويرد عليه أن قطع الاعتبار الشرعي طهورية التراب إنما هو عند الرؤية مقتصرا فإنما يظهر في المستقبل إذ لو استند ظهر عدم صحة الصلوات السابقة. وما قيل إنه وصف يرجع إلى المحل فيستوي فيه الابتداء والبقاء لا يفيد دفعا ولا يمسه، والأوجه الاستدلال بقوله صلى الله عليه وسلم في بقية الحديث فإذا وجده فليمسه بشرته. وفي إطلاقه دلالة على نفي تخصيص الناقضية بالوجدان خارج الصلاة كما هو قول الأئمة الثلاثة اه‍. فالحاصل أن الحديث لا يفيد إلا انتهاء الطهورية بوجود الماء، ولا يلزم من انتهاء الطهورية انتهاء الطهارة الحاصلة به كالماء تزول عنه الطهورية بالاستعمال وتبقى الطهارة الحاصلة به. والجواب بالفرق بينهما وهو أن التراب طهوريته مؤقتة بشئ غير متصل به وهو وجود الماء فتثبت به الطهارة المؤقتة الحاصلة على صفة المطهر، فإذا زالت طهوريته زالت طهارته. والماء لما كان مطهرا ولا تزول طهوريته بدون شئ يتصل به ثبت به الطهارة على التأبيد لأن طهوريته إذا لم يتصل بها شئ على التأبيد. إليه أشار في الخبازية. ولا يخفى أنه لا يلزم من توقيت الطهورية تأقيت الطهارة بل هو عين النزاع، فالأوجه الاستدلال ببقية الحديث كما في فتح القدير تبعا لما في المستصفى. والحديث المذكور مروي في المصابيح. والتقييد بعشر حجج لبيان طول المدة لا للتقييد به كما في قوله تعالى * (أن تستغفر لهم سبعين مرة) * فإنه لبيان الكثرة لا للتحديد. كذا في المستصفى. وقال بعض الأفاضل، قولهم إن الحدث السابق ناقض حقيقة لا يناسب قول أبي حنيفة وأبي يوسف لأن
(٢٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 262 263 264 265 266 267 268 269 270 271 272 ... » »»
الفهرست