البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ١ - الصفحة ٢٣٧
تأخر، ووجود هذا الماء وعدمه بمنزلة واحدة وإنما يجمع بينهما لعدم العلم بالمطهر منهما عينا فكان الاحتياط في الجمع دون الترتيب. وكذا الاختلاف في الاغتسال به فعندنا لا يشترط تقديمه خلافا له لكن الأفضل تقديم الوضوء والاغتسال به عندنا. وفي الخلاصة: اختلفوا في النية في الوضوء بسؤر الحمار والأحوط أن ينوي اه‍. (تنبيه) فيه ثلاث مسائل: الأولى ما قدمناه لو أخبر عدل بأن هذا اللحم ذبيحة المجوسي وأخبر عدل آخر أنه ذبيحة المسلم فإنه لا يحل أكله. الثانية ما قدمناه لو أخبر عدل بنجاسة الماء وعدل آخر بطهارته فإنه يحكم بطهارته.
الثالثة ما ذكره محمد في كتاب الاستحسان كما نقله في التوشيح لو أخبر عدل بحل طعام وآخر بحرمته فإنه يحكم بحله. وهذا التنبيه لبيان الفرق بين الثلاث فإنه قد يشتبه والأصل فيها أن الخبرين إذا تعارضا تساقطا ويبقى ما كان ثابتا قبل الخبر على ما كان، ففي الماء قبل الخبر الثابت إباحة شربه وطهارته فلما تعارض الدليلان تساقطا فبقي ما كان من الإباحة والطهارة، وفي الطعام كذلك لأن الأصل هو الحل فوجب العمل به إذ لو ترجح جانب الحرمة لزم ترجيح أحد المتساويين بلا مرجح مع ترك العمل بالأصل ولا يجوز ترجيح الحرمة بالاحتياط لاستلزامه تكذيب الخبر بالحل من غير دليل، فأما تعارض أدلة الشرع في حل الطعام وحرمته فيوجب ترجيح الحرمة تقليلا للنسخ الذي هو خلاف الأصل وعملا بالاحتياط الذي هو الأصل في أمور الدين عند عدم المانع. وأما مسألة اللحم الأولى فإنه لما تساقط الدليلان أيضا بالتعارض بقي ما كان ثابتا قبل الذبح والثابت قبله حرمة الاكل لأنه إنما يحل أكله بالذبح شرعا، وإذا لم يثبت السبب المبيح لوقوع التعارض في سبب الإباحة بقي حراما كما كان فظهر الفرق بين الثلاث، لكن ذكر الإمام جلال الدين الخبازي في حاشية الهداية تفصيلا حسنا في مسألة الماء تسكن إليه النفس ويميل إليه القلب فقال: فإن قيل إذا أخبر عدل بنجاسة الماء وعدل آخر بطهارته لم يصير الماء مشكوكا مع وقوع التعارض بين الخبرين؟ قلنا: لا تعارض ثمة لأنه أمكن ترجيح أحدهما فإن المخبر عن الطهارة لو استقصى
(٢٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 232 233 234 235 236 237 238 239 240 241 242 ... » »»
الفهرست