حتى ينسخ به الكتاب إذا كان قطعي الدلالة في معناه فلزم أنه لا يتركه إلا لقطعه بالناسخ إذ القطعي لا يترك إلا لقطعي فبطل تجويزهم تركه بناء على ثبوت ناسخ في اجتهاده المحتمل للخطأ. وإذا علمت ذلك كان تركه بمنزلة روايته للناسخ بلا شبهة فيكون الآخر منسوخا بالضرورة. كذا في فتح القدير. وقال الطحاوي: ولو وجب العمل برواية السبع ولا يجعل منسوخا لكان ما روى عبد الله بن المغفل في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أولى مما روى أبو هريرة لأنه زاد عليه وعفروا الثامنة بالتراب والزائد أولى من الناقص فكان ينبغي للمخالف أن يعمل بهذه الزيادة، فإن تركها لزمه ما لزم خصمه في ترك السبع، ومالك لم يأخذ بالتعفير الثابت في الصحيح مطلقا فثبت أنه منسوخ أه. وحديث عبد الله بن المغفل مجمع على صحته ورواه مسلم وأبو داود فكان الاخذ بروايته أحوط، وقد روى عن أبي هريرة إذا ولغ السنور في الاناء يغسل سبع مرات ولم يعملوا به وكل جواب لهم عن ذلك فهو جوابنا عما زاد على الثلاث، أو يحمل ما زاد على الثلاث على الاستحباب، ويؤيده ما روى الدارقطني عن أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم في الكلب يلغ في الاناء أنه يغسل ثلاثا أو خمسا أو سبعا، فخيره ولو كان التسبيع واجبا لما خيره.
ثم اعلم أن الطحاوي والوبري نقلا أن أصحابنا لم يجدوا لغسل الاناء منه حدا بل العبرة لأكبر الرأي ولو بمرة كما هو الحكم في غسل غيره من النجاسات. ذكره الطحاوي في كتاب اختلاف العلماء وهو مخالف لما في الهداية وغيرها أنه يغسل الاناء من ولوغه ثلاثا وهو ظاهر الحديث الذي استدلوا به، وسيأتي بيان أن الثلاث هل هي شرط في إزالة الأنجاس أو لا إن شاء الله تعالى. وفي النهاية: الولوغ حقيقة شرب الكلب المائعات بأطراف لسانه. وفي شرح المهذب: إن الماضي والمضارع بفتح العين تقول ولغ يلغ. وقد قدمنا أن سؤر الكلب نجس عند أصحابنا جميعا، أما على القول بنجاسة عينه فظاهر، وأما على القول المصحح بطهارة عينه فلان لحمه نجس ولعابه متولد من لحمه ولا يلزم من طهارة عينه طهارة سؤره لنجاسة لحمه ولا يلزم من نجاسة سؤره نجاسة عينه وإنما يلزم من نجاسة سؤرة نجاسة لحمه المتولد منه اللعاب كما صرح به في التجنيس وفتح القدير وغيرهما، وسيأتي ايضاحه في الكلام على سؤر السباع. والمذكور في كتب الشافعية كالمهذب أنه لا فرق بين الولوغ ووضع بعض عضوه في الاناء، ولم أر هذا في كتبنا. والذي يقتضيه كلامهم على القول بنجاسة عينه تنجس الماء وعلى القول بطهارة عينه عدم تنجسه أخذا من قولهم إذا ولغ الكلب في البئر كما قدمناه لأن ماء البئر في حكم الماء القليل كماء الآنية كما قدمناه. ولا فرق بين ولوغ كلب أو كلبين في الاكتفاء بالثلاث لأن الثاني لو يوجب تنجسا كما لا يخفى.
وإذا ولغ الكلب في طعام فالذي يقتضيه كلامهم أنه إن كان جامدا مور ما حوله وأكل الباقي، وإن كان مائعا انتفع به في غير الأبدان كما قدمناه. وأما سؤر الخنزير فلانه نجس