البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ١ - الصفحة ٢٣٣
مال إلا حميرات فقال عليه السلام: كل من سمين مالك. قال شيخ الاسلام خواهر زاده في مبسوطه: وهذا لا يقوى لأن لحمه حبلا إشكال لأنه اجتمع المحرم والمبيح فغلب المحرم على المبيح كما لو أخبر عدل بأن هذا اللحم ذبيحة مجوسي والآخر أنه ذبيحة مسلم لا يحل أكله لغلبة الحرمة فكان لحمه حراما بلا إشكال، ولعابه متولد منه فيكون نجسا بلا إشكال.
وقيل: سبب الاشكال اختلاف الصحابة فإنه روي عن ابن عمر أنه كان يكره التوضؤ بسؤر الحمار والبغل. وعن ابن عباس أنه قال: الحمار يعلف ألقت والتبن فسؤره طاهر. قال شيخ الاسلام: وهذا لا يقوى أيضا لأن الاختلاف في طهارة الماء ونجاسته لا يوجب الاشكال كما في إناء أخبر عدل أنه طاهر وآخر أنه نجس فالماء لا يصير مشكلا وقد استوى الخبران وبقي العبرة للأصل فكذا هاههنا، ولكن الأصح في التمسك أن دليل الشك هو التردد في الضرورة فإن الحمار يربط في الدور والأفنية فيشرب من الأواني وللضرورة أثر في إسقاط النجاسة كما في الهرة والفأرة إلا أن الضرورة في الحمار دون الضرورة فيهما لدخولهما مضايق البيت بخلاف الحمار، ولو لم تكن الضرورة ثابتة أصلا كما في الكلب والسباع لوجب الحكم بالنجاسة بلا إشكال، ولو كانت الضرورة مثل الضرورة فيهما لوجب الحكم بإسقاط النجاسة، فلما ثبتت الضرورة من وجه دون وجه واستوى ما يوجب النجاسة والطهارة تساقطا للتعارض فوجب المصير إلى الأصل والأصل هاهنا شيئان: الطهارة في جانب الماء والنجاسة في جانب اللعاب لأن لعابه نجس كما بينا وليس أحدهما بأولى من الآخر فبقي الامر مشكلا نجسا من وجه طاهرا من وجه فكان الاشكال عند علمائنا بهذا الطريق لا للاشكال في لحمه ولا لاختلاف الصحابة في سؤره وبهذا التقرير يندفع كثير من الأسئلة منها أن المحرم والمبيح إذا اجتمعا يغلب المحرم احتياطا، وجوابه أن القول بالاحتياط إنما يكون في ترجيح الحرمة في غير هذا الموضع أما هاهنا الاحتياط في إثبات الشك لأنا إن رجحنا الحرمة للاحتياط يلزم ترك العمل بالاحتياط لأنه حينئذ لا يجوز استعمال سؤر الحمار مع احتمال كونه مطهرا باعتبار الشك فكان متيمما عند وجود الماء في أحد الوجهين وذلك حرام، فلا يكون عملا بالاحتياط ولا بالمباح، وما قيل إن في تغليب الحرمة تقليل النسخ فذلك في تعارض النصين لا في الضرورة. ومنها أن يقال: لما وقع التعارض في سؤره وجب المصير إلى الخلف وهو التيمم كمن له إناءان أحدهما طاهر والآخر نجس فاشتبه عليه فإنه يسقط استعمال الماء ويجب التيمم، فكذا ههنا. قلنا: الماء ههنا طاهر لما ذكرنا أن قضية الشك أن يبقى كل واحد على حاله ولم يزل الحدث لأنه لما كان ثابتا بيقين فيبقى إلى أن يوجد المزيل بيقين، والماء طاهر ووقع الشك في طهوريته فلا يسقط استعماله بالشك بخلاف الإناءين فإن أحدهما نجس يقينا والآخر طاهر يقينا لكنه عجز عن استعماله لعدم علمه فيصار إلى الخلف. ومنها أن التعارض لا يوجب الشك كما في إخبار عدلين بالطهارة والنجاسة
(٢٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 228 229 230 231 232 233 234 235 236 237 238 ... » »»
الفهرست