البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ١ - الصفحة ١٨٧
به وإلا اختل النظم. فإذا جاز كل منهما لغة والموضع موضع احتياط وجب إعادته على ما فيه الاحتياط وهو بما قلنا. كذا قرره العلامة في فتح القدير أخذا من النهاية ومعراج الدراية.
وفي غاية البيان: ومما ظهر لي في فؤادي من الأنوار الربانية والأجوبة الالهامية أن الهاء لا يجوز أن ترجع إلى اللحم لأن قوله فإنه رجس خرج في مقام التعليل، فلو رجع إليه لكان تعليل الشئ بنفسه فهو فاسد لكونه مصادرة، وهذا لأن نجاسة لحمه عرفت من قوله أو لحم خنزير لأن حرمة الشئ مع صلاحيته للغذاء لا للكرامة آية النجاسة فحينئذ يكون معناه كأنه قال لحم خنزير نجس فإن لحمه نجس. أما إذا رجع الضمير إلى الخنزير فلا فساد لأنه حينئذ يكون حاصل الكلام لحم خنزير نجس لأن الخنزير نجس يعني أن هذا الجزء من الخنزير نجس لأن كله نجس. هذا هو التحقيق في الباب لأولي الألباب ا ه‍. وتعقبه شارح متأخر بأنه عند التأمل بمعزل عن الصواب، وكيف لا والجري على هذا المنوال مما يسد باب التعليل بالأوصاف المناسبة للأحكام، ولا شك أنه لا يلزم من كون الشئ علامة على شئ أن لا يصح التصريح بكون الشئ الثاني علة للشئ الأول بجعل الشارع لما فيه من الوصف المناسب لذلك بل ذلك يصحح التصريح بكونه علة ولا يلزم منه تعليل الشئ بنفسه قطعا، ولنوضحه فيما نحن بصدده فنقول:
قوله أنه رجس تعليل للتحريم وكون التحريم لا للتكريم علامة على نجاسة المحرم كما هنا يصحح التصريح بكونه نجسا علة لتحريمه لا أنه يمنع منه، وليس فيه تعليل النجاسة بالنجاسة بل تعليل التحريم الكائن لا للتكريم بوصف مناسب له قائم بالعين المحرمة وهو القذارة حثا على مكارم الأخلاق والتزام المروءة بمجانبة الأقذار والنزاهة ونظيره قوله تعالى * (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف أنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا) * (النساء: 22) فقوله إنه كان فاحشة ومقتا تعليل لتحريم نكاح منكوحات الآباء مع أن تحريم نكاحهن علامة على قبحه وكونه ممقوتا عند الله تعالى فلم يمنع ذلك من التصريح به علة له ا ه‍. وهو كما ترى في غاية الحسن، والتحقيق. وأما الجواب عن احتجاج أحمد، أما على الآية فهو أنها عامة خصتها السنة كذا أجاب النووي عنها في شرح المهذب. وأما عن حديث عبد الله بن عكيم فالاضطراب في متنه وسنده يمنع تقديمه على حديث ابن عباس رضي الله عنهما فإن الناسخ أي معارض فلا بد من مشاكلته في القوة ولذا قال به أحمد وقال: هو آخر الامرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تركه للاضطراب فيه. أما في السند فروى عبد الرحمن عن ابن عكيم كما قدمنا وروى أبو داود من جهة خالد الحذاء عن الحكم بن عتبة
(١٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 ... » »»
الفهرست