البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ١ - الصفحة ١٧٣
بنجاسة العين شرعا فلا، وذلك لأن أصله مال الزكاة تدنس بإسقاط الفرض به حتى جعل من الأوساخ في لفظه عليه السلام فحرم على من شرف بقرابته الناصرة له ولم يصل مع هذا إلى النجاسة حتى لو صلى حامل دراهم الزكاة صحت، فكذا يجب في الماء أن يتغير على وجه لا يصل إلى التنجس وهو سلب الطهورية إلا أن يقوم فيه دليل يخصه غير هذا القياس ا ه‍.
لكن قد علمت الدليل الذي ذكرناه لأبي حنيفة آنفا فاندفع به هذا القياس. وبهذا يترجح القول بالنجاسة، ولهذا والله أعلم ذكر صاحب الهداية في التنجيس أن الفتوى على رواية محمد لعموم البلوى إلا في الجنب نقلناه عنه وعن الولوالجي آنفا، كان دليل النجاسة قويا كان وهو المختار إلا أن البلوى عمت في الماء المستعمل في الحدث الأصغر فأفتى المشايخ بالطهارة بخلاف المستعمل في الأكبر لم يوجد فيه عموم البلوى فكان على المختار من النجاسة، ويؤيده ما ذكره شمس الأئمة السرخسي في المبسوط أن قوله في الأصل إذا اغتسل الطاهر في البئر أفسده دليل على أن الصحيح من قول أبي حنيفة أن الماء المستعمل نجس لأن الفاسد من الماء هو النجس ا ه‍. لكن رجح في موضع آخر رواية أبي يوسف القائلة بالتخفيف، واستبعد رواية الحسن القائلة بالتغليظ فقال: ما رواه الحسن بعيد فإن للبلوى تأثيرا في تخفيف النجاسة ومعنى البلوى في الماء المستعمل ظاهر، فإن صون الثياب عنه غير ممكن وهو مختلف في نجاسته فلذلك خف حكمه ا ه‍. وفي فتاوى قاضيخان: المشهور عن أبي حنيفة وأبي يوسف نجاسة الماء المستعمل لكن قال في الذخيرة: الظاهر أن الماء المستعمل طاهر للجنب والمحدث وقد قدمناه في الغسل فليراجع.
ثم اعلم أن الماء المستعمل على قول القائلين بنجاسته نجاسة عينية عند البعض حتى لا يجوز الانتفاع به بوجه ما، وعند البعض نجاسته بالمجاورة حتى يجوز الانتفاع به بسائر الوجوه سوى الشرب لأن هذا ماء أزيلت به النجاسة الحكمية فصار كما أزيل به النجاسة الحقيقية.
ووجه الأول أن المجاورة إنما تكون بانتقال شئ من عين إلى عين ولم يوجد حقيقة إلا أنه يتنجس الماء بالاستعمال شرعا فيكون نجسا عينا. كذا ذكره الإمام صاحب الهداية في التنجيس ولم يرجح، لكن تأخيره وجه الأول يفيد ترجيحه كما هي عادته في الهداية. وفي الخلاصة: ويكره شرب الماء المستعمل، وأما الماء إذا وقعت فيه نجاسة فإن تغير وصف الماء لم يجز الانتفاع به بحال، وإن لم يتغير الماء جاز الانتفاع به كبل الطين وسقي الدواب ا ه‍. ولا يخفى أن الكراهة على رواية الطهارة أما على رواية النجاسة فحرام لقوله تعالى * (ويحرم عليهم
(١٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 ... » »»
الفهرست