حكما كما في الجنابة. فإذا زايل العضو زالت الضرورة فظهر حكم الاستعمال بقضية القياس. وقد حصل الجواب عن المسألة الأولى التي استدل بها سفيان، وأما عن الثانية فقد ذكر الحاكم الجليل أنها على التفصيل إن لم يكن استعمله في شئ من أعضائه يجوز، أما إذا كان استعمله لا يجوز والصحيح أنه يجوز وإن استعمله في المغسولات لأن فرض الغسل إنما تأدى بما جرى على عضوه لا بالبلة الباقية فلم تكن هذه البلة مستعملة بخلاف ما إذا استعمله في المسح على الخف ثم مسح به رأسه حيث لا يجوز لأن فرض المسح يتأدى بالبلة وتفصيل الحاكم محمول على هذا، وأما ما مسح بالمنديل أو تقاطر على الثوب فهو مستعمل إلا أنه لا يمنع جواز الصلاة لأن الماء المستعمل طاهر عند محمد وهو المختار، وعندهما وإن كان نجسا لكن سقوط اعتبار نجاسته ههنا لمكان الضرورة. هذا ما قرره صاحب البدائع رحمه الله.
وذكر في المحيط أن القائل باشتراط الاستقرار سفيان فقط دون أهل المذهب، وصحح في الهداية وكثير من الكتب أن المذهب صيرورته مستعملا بمجرد الانفصال وإن لم يستقر، وصدر به في الكافي وذكر ما في الكنز بصيغة قيل. وما ذكره في الكنز هو مذهب سفيان الثوري وإبراهيم النخعي وبعض مشايخ بلخ وأبي حفص الكبير وظهير الدين المرغيناني: قال في الخلاصة: والمختار أنه لا يصير مستعملا ما لم يستقر في مكان ويسكن عن التحرك ا ه.
وفي غاية البيان أن مختار فخر الاسلام البزدوي وغيره في شروح الجامع الصغير اجتماعه في مكان بعد المزايلة، وفيما اختاره صاحب الهداية حرج عظيم على المسلمين ا ه. وفي معراج الدراية عن شيخه أن ما في الهداية في حق من لا ضرورة فيه كثياب غير المتوضئ وقيل في حق المغتسل لأنه قليل الوقوع لا في حق المتوضئ ا ه.
والحاصل أن المذهب ما في الهداية وما في الكنز اختيار بعض المشايخ، ومبنى اختيار ما في الكنز توهم أن ما ذكره في الهداية فيه حرج عظيم كما توهمه في غاية البيان، لأن الماء الذي يقطر من الأعضاء يصيب ثوب المتوضئ، فلو قلنا باستعماله بالانفصال فقط لتنجس ثوبه على القول بنجاسته حتى احتاج بعضهم إلى حمله على ثياب غير المتوضئ، وبعضهم إلى حمله على الغسل كما رأيت، وليس ما توهموه من الحرج موجودا فقد قدمنا عن البدائع أن ما يصيب ثوب المتوضئ معفو عنه بالاتفاق، وكذا ذكر في غيره. وأما في ثياب غير المتوضئ فلا حرج، وفائدة الخلاف تظهر فيما إذا انفصل ولم يستقر بل هو في الهواء فسقط على عضو انسان وجرى فيه من غير أن يأخذه بكفه، فعلى قول العامة لا يصح وضوءه، وعلى قول البعض يصح الثالث أعني صفة الماء المستعمل لم تذكر في ظاهر الرواية ولهذا ذكر في الكافي