لتنجس الماء اتفاقا، وقيد المسألة في المحيط بقوله لم يتدلك فيه ولم يبين مفهومه، وكذا في الخلاصة. والظاهر منه أنه إذا أنزل للدلو وتدلك في الماء صار الماء مستعملا اتفاقا لأن الدلك فعل منه قائم مقام نية الاغتسال فصار كما لو نزل للاغتسال. وقيد المسألة بعضهم بأن لا يكون استنجى بالأحجار، فمفهومه أنه لو كان مستنجيا بالأحجار تنجس الماء اتفاقا لكن هذا يبتنى على أن الحجر في الاستنجاء مخفف لا مطهر وفيه خلاف ذكره في التنجيس وذكر أن المختار أنه مخفف لا مطهر وسنذكره إن شاء الله تعالى في موضعه فإن قلت: لم قال أبو يوسف بأن الصب شرط في العضو لا في الثوب؟ وما الفرق بينهما؟ قلت: روي عن أبي يوسف روايتان: في رواية أن الصب شرط فيهما ووجهه أن القياس يأبى التطهير بالغسل لأن الماء يتنجس بأول الملاقاة، وإنما حكمنا بالطهارة ضرورة أن الشرع كلفنا بالتطهير والتكليف يعتمد القدرة وسمي الماء طهورا وذلك يقتضي حصول الطهارة به والضرورة تندفع بطريق الصب فلا ضرورة إلى طريق آخر مع أن الماء حال الصب بمنزلة ماء جار، وفي غير حالة الصب راكد والراكد أضعف من الجاري. وفي رواية أن الصب شرط في العضو لا في الثوب وهو المشهور عنه، ووجهه أن غسل الثياب بطريق الصب لا يتحقق إلا بكلفة ومشقة لأنها تغسلها النساء عادة وكل امرأة لا تجد خادما يصب الماء عليها ولا ماء جاريا، وأما غسل البدن يتحقق بطريق الصب من غير كلفة. كذا في النهاية.
وقال القاضي الأسبيجابي في شرح مختصر الطحاوي: جنب اغتسل في بئر ثم في بئر إلى العشرة قال أبو يوسف: تنجس الآبار كلها. وقال محمد: يخرج من الثالثة طاهرا ثم ينظر إن كان على بدنه عين نجاسة تنجست المياه كلها، وإن لم يكن عين نجاسة صارت المياه كلها مستعملة، ثم بعد الثالثة أن وجدت منه النية يصير مستعملا، وإن لم توجد منه النية لا يصير مستعملا عنده.
ولو أنه غسل الثوب النجس في إجانة وعصره ثم في إجانة إلى العشرة فإن الثوب يخرج من الثالثة طاهرا والمياه الثلاثة نجسة في قولهم جميعا، وأبو يوسف فرق بين الثوب والبدن فقال:
لأن في الثوب ضرورة ولا ضرورة في البدن ا ه. ولا يخفى أن مقتضى مذهب أبي يوسف من اشتراط الصب أن لا تتنجس المياه كلها عنده لما أن الحدث لم يزل ونية الاغتسال وإن وجدت لكن لا اعتبار بها إذا لم يصح الغسل عنده، وقد علمت فيما قدمناه عند الكلام على ماء الفساقي أن ما ذكره الأسبيجابي وغيره من كون ماء الآبار يصير مستعملا عند محمد مبني على القول الضعيف لا على الصحيح فارجع إليه تجد لك فرجا كبيرا إن شاء الله تعالى. وقد ظهر لي أن قولهم بنجاسة ماء الآبار عند أبي يوسف وقولهم بنجاسة ماء البئر إذا نزل للاغتسال عنده مفرع على رواية عن أبي يوسف أن من نزل في البئر وهو جنب كان الماء نجسا والرجل نجس، وقد ذكر هذه الرواية الأسبيجابي وذكر هذه الفروع بعدها فالظاهر أنها مفرعة عليها لا على القول المشهور عنه أن الرجل بحاله والماء بحاله والله الهادي للصواب.