الذي هو جمع كلام محمد أن الماء المستعمل لا يجوز التوضؤ به ولم يبين صفته من الطهارة أو النجاسة فلهذا لم تثبت مشايخ العراق خلافا بين أصحابنا في صفته فقالوا: طاهر غير طهور عند أصحابنا، وغيرهم أثبت الخلاف فقالوا: إن عن أبي حنيفة روايتين في رواية محمد عنه أنه طاهر غير طهور وبها أخذ وكذا رواها زفر وعامر عن أبي حنيفة كما ذكره قاضيخان في شرحه، وفي رواية أبي يوسف والحسن بن زياد أنه نجس غير أن الحسن روي عنه التغليظ، وأبا يوسف روي عنه التخفيف، وكل أخذ بما روي. وروي عن أبي يوسف أن المستعمل إن كان محدثا أو جنبا فالماء نجس، وإن كان طاهرا فالماء طاهر، وعند زفر إن كان المستعمل محدثا أو جنبا فهو طاهر غير طهور، وإن كان متوضأ فهو طاهر طهور. وقد صحح المشايخ رواية محمد حتى قال في المجتبى: وقد صحت الروايات عن الكل أنه طاهر غير طهور، إلا الحسن. وقال فخر الاسلام في شرح الجامع الصغير: هو المختار عندنا وهو المذكور في عامة كتب محمد عن أصحابنا فاختاره المحققون من مشايخ ما وراء النهر. وفي المحيط إنه المشهور عن أبي حنيفة وفي كثير من الكتب وعليها الفتوى من غير تفصيل بين المحدث والجنب.
والمذكور في فتاوى الولوالجي والتنجيس في مواضع أن الفتوى على رواية محمد لعموم البلوى إلا في الجنب. وقد ذكر النووي أن الصحيح من مذهب الشافعي أنه طاهر غير طهور وبه قال أحمد وهو رواية عن مالك، ولم يذكر ابن المنذر عنه غيرها وغير قول جمهور السلف والخلف ا ه. وجه رواية النجاسة قوله صلى الله عليه وسلم لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسلن فيه من الجنابة كذا في الهداية وكثير من الكتب. قال في البدائع: وجه الاستدلال به حرمة الاغتسال في الماء القليل لاجماعنا على أن الاغتسال في الماء الكثير ليس بحرام، فلولا أن القليل من الماء ينجس بالاغتسال بنجاسة الغسالة لم يكن للنهي معنى لأن إلقاء الطاهر في الطاهر ليس بحرام، أما تنجيس الطاهر فحرام فكان هذا نهيا عن تنجيس الماء الطاهر بالاغتسال وذا يقتضي التنجس به، ولا يقال يحتمل أنه نهي لما فيه من إخراج الماء من أن يكون مطهرا من غير ضرورة وذلك حرام لأنا نقول: الماء القليل إنما يخرج عن كونه مطهرا باختلاط غير المطهر به إذا كان الغير غالبا عليه كماء الورد واللبن، فأما إذا كان مغلوبا فلا.
وههنا الماء المستعمل ما يلاقي البدن. ولا شك أن ذلك أقل من غير المستعمل فكيف يخرج به من أن يكون مطهرا؟ فأما ملاقاة النجس الطاهر توجب تنجيس الطاهر وإن لم يغلب على الطاهر لاختلاطه بالطاهر على وجه لا يمكن التمييز بينهما فيحكم بنجاسة الكل فثبت أن النهي لما قلنا. ولا يقال يحتمل أنه نهي لأن أعضاء الجنب لا تخلو عن النجاسة الحقيقية وذا يوجب تنجيس الماء القليل لأنا نقول: الحديث مطلق فيجب العمل بإطلاقه، ولان النهي عن الاغتسال ينصرف إلى الاغتسال المسنون لأنه هو المتعارف بين المسلمين، والمسنون منه إزالة النجاسة قبل الاغتسال على أن النهي عن إزالة النجاسة الحقيقية التي على البدن استفيد بالنهي