البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ١ - الصفحة ١٥٢
قوله: (وهو ما يذهب بتبنة) أي الماء الجاري ما يذهب بتبنة، وقد توهم بعض المشتغلين أن هذا الحد فاسد لأنه يرد عليه الجمل والسفينة فإنهما يذهبان بتين كثير، ومنشأ التوهم أن ما موصولة في كلامه وقد وقع مثلها في عبارة ابن الحاجب فإنه قال: الكلام ما يتضمن كلمتين بالاسناد. فقيل يرد عليه الورقة والحجر المكتوب عليه كلمتان فأكثر لأن ما موصولة بمعنى الذي لكن الجواب عنهما أن ما ليست موصولة وإنما هي نكرة موصوفة، فالمعنى الجاري ماء بالمد يذهب بتبنة والكلام لفظ يتضمن كلمتين. وقد اختلف في حد الجاري على أقوال منها ما ذكره المصنف وأصحها أنه ما يعده الناس جاريا كما ذكره في البدائع والتبيين وكثير من الكتب. قوله: (فيتوضأ منه) أي من الماء الجاري. قال الزيلعي:
ويجوز أن يعود إلى الماء الراكد الذي بلغ عشرا في عشر لأنه يجوز الوضوء به في موضع الوقوع ما لم يتغير في رواية وهو المختار عندهم. قوله: (إن لم ير أثره) أي إن لم يعلم أثر النجس فيه. ورأي تستعمل بمعنى علم قال الشاعر:
رأيت الله أكبر كل شئ وإنما قلنا هذا لأن الطعم والرائحة لا تعلق للبصر بهما وإنما الطعم للذوق والرائحة للشم.
قوله: (وهو طعم أو لون أو ريح) أي الأثر ما ذكر. وحاصله أن الماء الجاري وما هو في حكمه إذا وقعت فيه نجاسة. إن ظهر أثرها لا يجوز الوضوء به وإلا جاز لأن وجود الأثر دليل وجود النجاسة، فكل ما تيقنا فيه نجاسة أو غلب على ظننا ذلك لا يجوز الوضوء به، جاريا كان أو غيره، لأن الماء الجاري لا يتنجس بوقوع النجاسة فيه كما قد يتوهم. وظاهر ما في المتون أن الجاري إذا وقعت فيه نجاسة يجوز الوضوء به إن لم ير أثرها، سواء كان النجس جيفة مرئية أو
(١٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 ... » »»
الفهرست