القلتين ضعيف. فإن قلت: قد صححه ابن ماجة وابن خزيمة والحاكم وجماعة من أهل الحديث قلت: من صححه اعتمد بعض طرقه ولم ينظر إلى ألفاظه ومفهومها إذا ليس هذا وظيفة المحدث والنظر في ذلك من وظيفة الفقيه إذ غرضه بعد صحة الثبوت الفتوى والعمل بالمدلول، وقد بالغ الحافظ عالم العرب أبو العباس ابن تيمية في تضعيفه وقال: يشبه أن يكون الوليد بن كثير غلط في رفع الحديث وعزوه إلى ابن عمر فإنه دائما يفتي الناس ويحدثهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، والذي رواه معروف عند أهل المدينة وغيرهم لا سيما عند سالم ابنه ونافع مولاه وهذا لم يروه عنه لا سالم ولا نافع ولا عمل به أحد من علماء المدينة، وذكر عن التابعين ما يخالف هذا الحديث ثم قال: فكيف تكون هذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عموم البلوى فيها ولا ينقلها أحد من الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان إلا رواية مختلفة مضطربة عن ابن عمر لم يعمل بها أحد من أهل المدينة ولا أهل البصرة ولا أهل الشام ولا أهل الكوفة؟ وأطال رحمه الله تعالى الكلام بما لا يحتمله هذا الموضع. ولا يضر الحافظ ما أخرجه الدارقطني عن سالم عن أبيه لضعفه، وقول النووي بأن حدها هو ما حده رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أوجب الله طاعته وحرم مخالفته وحدهم يعني الحنفية مخالف حده صلى الله عليه وسلم مع أنه حد بما لا أصل له ولا ضبط فيه مدفوع بأن ما استدللتم به ضعيف كما تقدم، وما صرنا إليه يشهد له الشرع والعقل. أما الشرع فقد قدمنا الأحاديث الواردة في ذلك، وأم العقل فإنا نتيقن بعدم وصول النجاسة إلى الجانب الآخر أو يغلب على ظننا والظن كاليقين فقد استعملنا الماء الذي ليس فيه نجاسة يقينا وأبو حنيفة لم يقدر ذلك بشئ بل اعتبر غلبة ظن المكلف، فهذا دليل عقلي مؤيد بالأحاديث الصحيحة المتقدمة فكان العمل به متعينا، ولان دليلنا وهو حديث النهي عن البول في الماء الراكد ثابت في الصحيحين من رواية أبي هريرة وإسلامه متأخر وحديث القلتين حديث ابن عمر وإسلامه متقدم، والمتأخر ينسخ المتقدم لو ثبت. وقال الشافعي وأحمد: لو زال تغير القلتين بنفسه طهر الماء مع بقاء البول والعذرة وغيرهما من النجاسات فيكون حينئذ نجاسة البول والعذرة والخمر باعتبار الرائحة واللون والطعم لا لذاتها وهذا لا يعقل ولا تشهد له أصول الشرع، ولو أضيفت قلة نجسة إلى قلة نجسة عادتا طاهرتين عندهم وهذا يؤدي إلى تنجس الماء الطاهر بقليل النجاسة دون كثيرها لأنهم نجسوا القلة الطاهرة برطل ماء نجس ولم ينجسوها بقلة نجسة من الماء بل طهروها بها، ويؤدي أيضا إلى تولد طاهر باجتماع نجسين وهذا مما تحيله العقول.
قوله: (وإلا فهو كالجاري) أي وإن يكن عشرا في عشر فهو كالجاري فلا يتنجس إلا