إذا تغير أحد أوصافه، ثم في قوله كالجاري إشارة إلى أنه لا يتنجس موضع الوقوع وهو مروي عن أبي يوسف وبه أخذ مشايخ بخارى وهو المختار عندهم كذا في التبيين. وقال في فتح القدير: وهو الذي ينبغي تصحيحه فينبغي عدم الفرق بين المرئية وغيرها لأن الدليل إنما يقتضي عند كثرة الماء عدم التنجس إلا بالتغير من غير فصل، وهو أيضا الحكم المجمع عليه وفي النصاب وعليه الفتوى كذا في شرح منية المصلي. وصحح في المبسوط والمفيد أنه يتنجس موضع الوقوع وإليه أشار في القدوري بقوله: جاز الوضوء من الجانب الآخر. وذكر أبو الحسن الكرخي أن كل ما خالطه النجس لا يجوز الوضوء به ولو كان جاريا وهو الصحيح. قال الزيلعي: فعلى هذا إن ما ذكره المصنف لا يدل على أن موضع الوقوع لا يتنجس لأنه لم يجعله إلا كالجاري، فإذا تنجس موضع الوقوع من الجاري فمنه أولى أن يتنجس. وفي البدائع: ظاهر الرواية أنه لا يتوضأ من الجانب الذي وقعت فيه النجاسة ولكن يتوضأ من الجانب الآخر، ومعناه أنه يترك من موضع النجاسة قدر الحوض الصغير ثم يتوضأ. كذا فسره في الاملاء عن أبي حنيفة لأنا تيقنا بالنجاسة في ذلك الجانب وشككنا فيما وراءه، وعلى هذا قالوا فيمن استنجى في موضع من حوض لا يجزيه أن يتوضأ من ذلك الموضع قبل تحريك الماء ولو وقعت الجيفة في وسط الحوض على قياس ظاهر الرواية إن كان بين الجيفة وبين كل جانب من الحوض مقدار ما لا يخلص بعضه إلى بعض يجوز التوضؤ فيه وإلا فلا. وإن كانت غير مرئية بأن بال إنسان أو اغتسل جنب اختلف المشايخ فيه، قال مشايخ العراق: إن حكمه حكم المرئية حتى لا يتوضأ من ذلك الجانب بخلاف الجاري، ومشايخنا مما وراء النهر فصلوا بينهما في غير المرئية أنه يتوضأ من أي جانب كان كما قالوا جميعا في الماء الجاري وهو الأصح لأن غير المرئية لا تستقر في مكان واحد بل ينتقل لكونه مائعا سيالا بطبعه فلم يستيقن بالنجاسة في الجانب الذي يتوضأ منه بخلاف المرئية ا ه.
وهكذا مشى قاضيخان أنه يترك من موضع النجاسة قدر الحوض الصغير وقدر الحوض الصغير في الكفاية شرح الهداية بأربع أذرع في أربع، وفي الذخيرة عن بعضهم يحرك الماء بيده مقدار ما يحتاج إليه عند الوضوء، فإن تحركت النجاسة لم يستعمل من ذلك الموضع.
وقال بعضهم: يتحرى في ذلك، إن وقع تحريه أن النجاسة لم تخلص إلى هذا الموضع توضأ وشرب منه. قال في شرح منية المصلي: وهو الأصح. وفي معراج الدراية معزيا إلى المجتبى أن الفتوى على جواز الوضوء من موضع الوقوع واختاره مشايخ بخارى لعموم البلوى حتى قالوا: يجوز الوضوء من موضع الاستنجاء قبل التحريك.