رضي الله عنه فهو مع الاستثناء ضعيف برشد بن سعد صرح بضعفه جماعة منهم النووي في شرح المهذب، وأما بدون الاستثناء فقد ورد من رواية أبي داود والترمذي من حديث أبي سعيد الخدري قيل: يا رسول الله أنتوضأ من بئر بضاعة وهي بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن؟
فقال صلى الله عليه وسلم: الماء طهور لا ينجسه شئ وحسنه الترمذي. وقال الإمام أحمد: هو حديث صحيح. ورواه البيهقي عن أبي يحيى قال: دخلت على سهل بن سعد في نسوة فقال: لو أني أسقيتكم من بئر بضاعة لكرهتم ذلك وقد والله سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي منها. قلنا: هذا ورد في بشر بضاعة بكسر الباء وضمها. كذا في الصحاح. وفي المغرب بالكسر لا غير.
وماؤها كان جاريا في البساتين على ما أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار بسنده إلى الواقدي. قال البيهقي: الواقدي لا يحتج بما يسنده فضلا عما يرسله. قلنا: قد أثنى عليه الدراوردي وأبو بكر بن العربي وابن الجوزي وجماعة. والدليل على أنه كان جاريا أن الماء الراكد إذا وقع فيه عذرة الناس والجيف والحائض والنتن تغير طعمه وريحه ولونه، ويتنجس بذلك إجماعا وليس في الحديث استثناء فدل ذلك على جريان مائها. فإن قيل: نقل النووي في شرح المهذب عن أبي داود أنه قال: مددت ردائي على بئر بضاعة ثم ذرعتها فإذا عرضها ستة أذرع. وسألت الذي فتح لي باب البستان هل غير بناؤها عما كان عليه؟ فقال: لا.
قال: رأيت فيها ماء متغيرا. قلنا: ما ذكره الطحاوي إثبات وما نقل أبو داود عن البستاني نفي والاثبات مقدم على النفي والبستاني الذي فتح الباب مجهول الشخص والحال عنده فكيف يحتج بقوله؟ ولان أبا داود توفي بالبصرة في النصف من شوال سنة خمس وسبعين ومائتين فبينه وبين زمن النبي صلى الله عليه وسلم مدة كثيرة. ودليل التغير غالب وهو مضي السنين المتطاولة.
قال النووي في شرح المهذب: وهذه صفتها في زمن أبي داود ولا يلزم أن تكون كانت هكذا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم. قال الخطابي: قد توهم بعضهم أن إلقاء العذرة والجيف وخروق الحيض في بئر بضاعة كان عادة وتعمدا وهذا لا يظن بذمي ولا وثني فضلا عن مسلم فلم يزل من عادة الناس قديما وحديثا، مسلمهم وكافرهم، تنزيه الماء وصونه عن النجاسات، فكيف يظن بأهل ذلك الزمان وهم أعلى طبقات أهل الدين وأفضل جماعات المسلمين، والماء ببلادهم أعز والحاجة إليه أمس من أن يكون هذا صنيعهم بالماء وامتهانهم له، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من تغوط في موارد الماء ومشارعه فكيف من اتخذ عيون الماء ومنابعه مطرح الأنجاس؟ وإنما كان ذلك من أجل أن هذه البئر موضعها في حدور من الأرض وكانت السيول تمسح هذه الأقذار من الطرق والأفنية وتحملها فتلقيها فيه، وكان الماء لكثرته وغزارته لا يؤثر فيه وكان جوابه عليه السلام لهم أن الماء الكثير الذي صفته هذه في الكثرة والغزارة