البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ١ - الصفحة ١٣٥
فمنهم من قال يصير الكل مستعملا عند محمد فيحتاج إلى الفرق بينه وبين بول الشاة فأفاد الفرق بقوله والفرق له إلى آخره وهي الفائدة الثانية. ومنهم من قال: لا يصير مستعملا ما لم يغلب على المطلق وصححه صاحب المحيط والعلامة كما رأيت، ونقل العلامة عن التحفة أنه المختار.
ومنها حمل ما نقله قاضيخان وغيره من نزح عشرين دلوا على القول الضعيف، أما على القول الصحيح فلا ينزح شئ فإذا علمت هذا تعين عليك حمل قول من نقل عدم الجواز على القول الضعيف لا الصحيح كما فعله العلامة. وأما ما في كثير من الكتب من أن الجنب إذا أدخل يده أو رجله في الماء فسد الماء فهذا محمول على الرواية القائلة بنجاسة الماء المستعمل لا على المختارة للفتوى لأن ملاقاة النجس للماء القليل تقتضي نجاسته لا ملاقاة الطاهر له، وقد كشف عن هذا ختام المحققين العلامة كمال الدين بن الهمام في شرح الهداية حجاب الأستار فقال:
حوضان صغيران يخرج الماء من أحدهما ويدخل في الآخر فتوضأ في خلال ذلك جاز لأنه جار، وكذا إذا قطع الجاري من فوق وقد بقي جري الماء كان جائزا أن يتوضأ بما يجري في النهر. وذكر في فتاوى قاضيان في المسألة الأولى قال: والماء الذي اجتمع في الحفيرة الثانية فاسد وهذا مطلقا إنما هو بناء على كون المستعمل نجسا، وكذا كثير من أشباه هذا. فأما على المختار من رواية أنه طاهر غير طهور فلا، فلتحفظ ليفرع عليها ولا يفتى بمثل هذه الفروع.
ا ه‍ كلام المحقق. ومن هنا يعلم أن فهم المسائل على وجه التحقيق يحتاج إلى معرفة أصلين:
أحدهما أن إطلاقات الفقهاء في الغالب مقيدة بقيود يعرفها صاحب الفهم المستقيم الممارس للأصول والفروع وإنما يسكتون عنها اعتمادا على صحة فهم الطالب. والثاني أن هذه المسائل اجتهادية معقولة المعنى لا يعرف الحكم فيها على الوجه التام إلا بمعرفة وجه الحكم الذي بنى عليه وتفرع عنه وإلا فتشتبه المسائل على الطالب ويحار ذهنه فيها لعدم معرفة الوجه والمبنى، ومن أهمل ما ذكرناه حار في الخطأ والغلط. وإذا عرفت هذا ظهر لك ضعف من يقول في عصرنا إن الماء المستعمل إذا صب على الماء المطلق وكأن الماء المطلق غالبا يجوز الوضوء بالكل، وإذا توضأ في فسقية صار الكل مستعملا إذ لا معنى للفرق بين المسألتين. وما قد يتوهم في الفرق من أن في الوضوء يشيع الاستعمال في الجميع بخلافه في الصب مدفوع بأن الشيوع والاختلاط في الصورتين سواء، بل لقائل أن يقول: إلقاء الغسالة من خارج أقوى تأثيرا من غيره لتعين المستعمل فيه بالمعاينة والتشخيص وتشخص الانفصال. وبالجملة فلا يعقل فرق بين
(١٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 ... » »»
الفهرست