يضمن المكره بتسليمه إلى الغير مكرها من جهته وإنما كان مكرها هنا على ذلك بالحبس فلا يرجع عليه بشئ والمشترى على القبض مكره بالقتل فلا يكون قبضه موجبا للضمان عليه وأما الوكيل فهو مكره على القبض والتسليم بالحبس وذلك لا يوجب نقل الفعل عنه إلى غيره فيكون ضامنا قيمته * فان قيل ينبغي أن يكون المكره ضامنا لان فعل المشترى في القبض صار منسوبا إليه فيجعل كأنه قبضه بنفسه وهلك في يده * قلنا المالك إنما يضمن المكره باعتبار سبب جرى بينهما لا باعتبار سبب جري بينه وبين غيره والذي جرى بينهما اكراهه إياه عل التسليم بالحبس فما اكراهه المشترى فهو سبب بين المكره والمشترى فلا يكون للمولى أن يضمن المكره بذلك السبب وإنما يكون ذلك للمشترى في الموضع الذي لا يكون عاملا لنفسه في القبض ويتقرر عليه ضمان وهذا لان المالك إنما يثبت له حق التضمين بتفويت يده وتفويت يده بالتسليم لا باعتبار قبض المشترى ولو أكره المولى والمشترى بالقتل وأكره الوكيل بالحبس والمسألة بحالها كان للمولى أن يضمن المكره ان شاء لأنه فوت يده حين أكرهه بالقتل على التسليم وان شاء ضمن الوكيل لان فعله في القبض والتسليم مقصور عليه وأيهما ضمن لم يرجع على صاحبه بشئ أما إذا ضمن الوكيل فلانه ما كان عاملا في البيع والتسليم للمكره وفعله في القبض والتسليم مقصور عليه وأما إذا ضمن المكره فلانه أذن له في بيعه ودفعه حين أكره بالحبس على ذلك ولا ضمان على المشترى لأنه كان مكرها على القبض بوعيد قتل وذلك ينفى الضمان عنه ولو أكرهه بالقتل على أن يوكل هذا الرجل بأن يهب عبده هذا لهذا الرجل فوكله بذلك فقبضه الوكيل ودفعه إلى الموهوب له ومات في يده والوكيل والموهوب له غير مكرهين فللمولى أن يضمن قيمته أيهم شاء بمنزلة الشراء لان الموهوب له يقبض لنفسه على وجه التملك بهبة فاسدة فيكون ضامنا كالمشترى فان ضمن الموهوب له لم يرجع على أحد وان ضمن الوكيل رجع به الوكيل على الموهوب له وان ضمن المكره رجع المكره ان شاء على الموهوب له وان شاء على الوكيل ورجع به الوكيل على الموهوب له لما بينا في فصل الشراء ولو كان الاكراه بحبس لم يضمن المكره شيئا وكان للمولى أن يضمن أن شاء الوكيل وان شاء الموهوب له فان ضمن الوكيل رجع به على الموهوب له لأنه قام مقام من ضمنه أو لأنه ملكه بالضمان ولم يقصد تنفيذ الهبة من جهته فكان له أن يرجع على الموهوب له لأنه بالقبض متملك عامل لنفسه بغير إذن المالك فلا يسلم له مجانا والله أعلم
(١٥٠)