أخذ الآبق رجل فجاء به ليرده على مولاه فوجده قد مات قال له الجعل في تركته لان وارثه أو وصيه يخلفه بعد موته فالرد عليه كالرد على المولى في حياته وإذا استوجب الجعل عليه كان ذلك دينا في تركته كسائر الديون فإن كان عليه دين يحيط بماله فالراد أحق بإمساك العبد حتى يعطى الجعل فإن لم يكن له مآل غيره بيع العبد ويبدأ بالجعل له من ثمنه ثم يقسم الباقي بين الغرماء لان حق الغرماء في ماليته إنما ثبت من جهة الميت وقد كان الراد أحق به من الميت ما لم يستوف الجس فكذا يكون هو أحق به من غرماء الميت أيضا فإن كان الذي جاء به وارث الميت وقد أخذه وسار به ثلاثة أيام في حياته وأوصله إلي المصر فمات المولي قبل أن يرده عليه وليس الوارث الراد في عياله فله الجعل في قول أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى لا جعل له لان استحقاق الجعل إنما يكون بالايصال إلي المالك وكذا لو أبق قبل أن يوصله إلى المالك فلا جعل له والايصال هنا لم يوجد قبل الموت وبعد الموت لم يصلح سببا لوجوب الجعل له لأنه شريك فيه ومن عمل في شئ هو فيه شريك لا يستوجب الاجر بالعقد وان شرط ذلك في العقد فهنا أولى أن لا يستوجب * وجه قولهما ان الراد إنما يستحق الجعل بعمله في الرد وقد تم ذلك في حياة المورث قبل أن تثبت له الشركة فيه إلا أن ايصاله إلي المولى شرط وعند وجوده يستحق الاجر بعمله لا بما هو شرط والشرط يتحقق مع الشركة في المحل وإنما الذي لا يتحقق تسليم العمل إلي غيره فيما هو شريك فيه وقد صار العمل هنا مسلما إلي المولى باتصاله بملكه وقد وجد الشرط بالرد على ورثته فيستوجب الجعل. يوضحه أنه باحياء المالية يستوجب الجعل وقد تحقق هذا حتى لو كان على الميت دين أو أوصى بوصية ينفذ من ذلك فيكون هذا بمنزلة ما لورده عليه في حياته ولم يأخذ الجعل منه حتى مات وإذا جاء بالآبق من مسيرة ثلاثة أيام وهو لا يساوي أربعين درهما ففي قول أبى يوسف الأول له الجعل أقل من قيمته بدرهم وهو قول محمد وفي قول أبى يوسف الآخر رحمهما الله له الجعل تاما * وجه قوله الأول ان وجوب الجعل باعتبار احياء المالية للمولى فلا بد من اعتبار مقدار المالية التي حييت له ثم الراد مأذون من جهة المولي في ايصال المنفعة إليه لا في إلحاق الضرر به وايجاب المال لنفسه عليه فإذا كان قيمة العبد درهما كان في ايجاب الأربعين علي المولي ضرر بين فينبغي أن يوجب له من الجعل بقدر ما يظهر فيه منفعة عمله للمولي وذلك أن ينقص من قيمته درهم لان ما دون الدرهم
(٣٢)