المبسوط - السرخسي - ج ١١ - الصفحة ١٨
المقادير بالرأي لا يكون ولا طريق لما ثبت عنهم من الفتوى الا الرأي أو السماع ممن ينزل عليه الوحي فإذا انتفى أحدهما هنا تعين الآخر وصار كأن كل واحد منهم روى ما قاله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والمثبت للزيادة من الاخبار عن التعارض أولى فلهذا أخذنا بالأكثر هذا هو النهاية في التمسك بالسنة والاخذ بأقاويل الصحابة رضي الله عنهم فقد قامت الشريعة بفتواهم إلى آخر الدهر وليس لاحد أن يظن بهم إلا أحسن الوجوه ولكنه بحر عميق لا يقطعه كل سابح ولا يصيبه كل طالب. وليس في هذا الباب شئ من المعنى سوى ما ذكره عن إبراهيم قل كي يرد الناس بعضهم على بعض معناه أن الراد يحتاج إلى معالجة ومؤنة في رده وقلما يرغب الناس في التزام ذلك خشية ففي ايجاب الجعل للراد ترغيب له في رده واظهار الشكر في المردود عليه لإحسانه إليه الا ان إبراهيم كان يستحب ذلك ولا يوجبه على ما روى عنه أنه كان يستحب أن يرضخ للذي يجئ بالآبق. ولم نأخذ بقوله في هذا وإنما نأخذ بقول شريح والشعبي رحمهما الله فقد قال الشعبي رحمه الله للراد دينار إذا أخذه خارجا من المصر وقال شريح رحمه الله له أربعون درهما فنأخذ بذلك ويحمل ما نقل عن الشعبي على ما إذا رده مما دون مسيرة السفر ويستقيم الاحتجاج بقول شريح رحمه الله في هذا ونحوه لان الصحابة رضي الله عنهم قلدوه القضاء وسوغوا له المزاحمة معهم في الفتوى ألا ترى أنه خالف عليا رضي الله عنه في رد شهادة الحسن رضي الله عنه وان مسروقا رحمه الله خالف ابن عباس رضي الله عنهما في موجب النذر بذبح الولد ورجع ابن عباس رضي الله عنهما إلى قوله فعرفنا أن من كان بهذه الصفة فقوله كقول الصحابي * ثم الشافعي استحسن برأيه في هذه المسألة من وجه فقال لو كان المولى خاطب قوما فقال من رد منكم عبدي فله كذا فرده أحدهم استوجب ذلك المسمى وهذا شئ يأباه القياس لأن العقد مع المجهول لا ينعقد وبدون القبول كذلك ولا شك ان الاستحسان الثابت باتفاق الصحابة رضي الله عنهم خير من الاستحسان الثابت برأي الشافعي رضي الله عنه ولا حجة له في قوله تعالى ولمن جاء به حمل بعير لان ذلك كان خطابا لغير معين وهو لا يقول به فإنه لو قال من رده فله كذا ولم يخاطب به قوما بأعيانهم فرده أحدهم لا يستحق شيئا ثم هذا تعليق استحقاق المال بالخطر وهو قمار والقمار حرام في شريعتنا ولم يكن حراما في شريعة من قبلنا (وان قال) اعتبر قول المالك لاثبات أمره بالرد للذين خاطبهم ثم المأمور من جهة الغير
(١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 ... » »»
الفهرست