المبسوط - السرخسي - ج ١١ - الصفحة ١٢٣
يأتمن الانسان الرجل على ماله ولا يأتمن زوجته إلا أنه إنما يلزمه مراعاة شرطه بحسب الامكان فإذا كان يجد بدا من الدفع إلى من نهاه عنه فهو متمكن من حفظها على الوجه المأمور به فيصير ضامنا بحفظها على الوجه المنهى عنه وإذا كأن لا يجد بدا من ذلك فهو حافظ لها بحسب الامكان وليس عليه أكثر من ذلك فلا يضمنها * وإذا استعمل المودع الوديعة وأقر بذلك ثم قال رددتها إلى مكانها فهلكت لم يصدق الا ببينة لان السبب الموجب للضمان عليه وهو الاستعمال معلوم ثم ادعى ما يسقط الضمان عنه وهو ترك الخلاف قبل الهلاك فلا يصدق إلا بحجة فان أقام البينة أنه رده إلى موضعه صحيحا ثم هلك كان الثابت بالبينة كالثابت باقرار الخصم فلا يضمن شيئا عندنا * وان كانت الوديعة أمة فوطئها المودع فولدت فالولد مملوك لصاحب الأصل وعلي المودع الحد ولا يثبت نسب الولد منه لان فعله زنا محض وكونها وديعة عنده لا يمكن في شبهة المحل إلا أن يدعى شبهة نكاح أو شراء فحينئذ يسقط الحد عنه ويغرم العقر للشبهة (وإذا) استودع رجلان رجلا وديعة من دراهم أو دنانير أو ثياب أو دواب أو عبيد ثم حضر أحدهما وطلب حقه منه لم يكن له ذلك حتى يجتمعا ولو خاصمه إلى القاضي لم يأمره بدفع نصيبه إليه في قوله أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يأمره بأن يقسم ذلك ويدفع نصيبه إليه ولا تكون قسمته جائزة على الغائب. وعن محمد في الأمالي قال قول أبي حنيفة أقيس وقول أبى يوسف رحمه الله أوسع. وجه قولهما ان كل واحد من المودعين مالك لنصيبه حقيقة فلا يتعذر عليه قبض نصيبه في غيبة الآخر كالشريكين في الدين إذا حضر أحدهما كان له أن يطالب المديون بنصيبه وهذا لأنه يجب دفع الضرر عن الحاضر كما يجب دفع الضرر عن الغائب وإنما يندفع الضرر عنهما فيما قلنا بأن يقسم فيدفع إلى الحاضر نصيبه ليندفع الضرر عنه ثم لا تنفذ قسمته على الغائب حتى إذا هلك الباقي في يده ثم حضر الغائب كان له أن يشارك الحاضر فيما قبض دفعا للضرر عنه هذا في المكيل والموزون واضح فان الحاضر له أن ينفرد بأخذ نصيبه منهما مع غيبة الآخر فكذلك للمودع أن يدفع نصيبه إليه وقد بينا نظيره في مال المفقود ومذهب أبي حنيفة مروي عن علي رضى الله تعالى عنه والمعنى فيه أنه لو دفع شيئا إلى الحاضر فاما أن يكون المدفوع من نصيبهما جميعا أو نصيب الحاضر خاصة ولا يمكن أن يجعل ذلك من نصيب الحاضر خاصة لان ذلك لا يكون الا بعد قسمة معتبرة وليس للمودع ولاية على الغائب في القسمة فلم يبق إلا أن يكون المدفوع من النصيبين
(١٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 ... » »»
الفهرست