المبسوط - السرخسي - ج ٧ - الصفحة ٣
ولا تجزى عند الشافعي رضي الله عنه الا الرقبة المؤمنة لقوله تعالى ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولا خبث أشد من الكفر وفى حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم برقبة سوداء وقال على عتق رقبة أفتجزيني هذه فامتحنها بالايمان فوجدها مؤمنة فقال صلى الله عليه وسلم أعتقها فإنها مؤمنة فامتحانه إياها بالايمان دليل على أن الواجب لا يتأدى الا بالمؤمنة ولان هذا تحرير في تكفير فلا يجزى فيه غير المؤمنة ككفارة القتل وهذا لان الرقبة مطلقة هنا مقيدة بالايمان في القتل والمطلق محمول على المقيد لان القيد مسكوت عنه في المطلق وقياس المسكوت عنه على المنصوص صحيح ولان التعليق بالشرط يقتضى نفى الحكم عند عدمه في عين ما تعلق بالشرط وكذلك في نظائره استدلالا به والكفارات جنس واحد فالتقييد بشرط الايمان في بعضها يوجب نفى الجواز عند عدم الايمان في جميعها كالتقييد بشرط العدالة في بعض الشهادات أوجب نفى الجواز عند عدمها في الكل وكذلك التقييد بالتبليغ إلى الكعبة في هدي جزاء الصيد أوجب ذلك في جميع الهدايا (وحجتنا) في ذلك ظاهر الآية فالمنصوص اسم الرقبة وليس فيه ما ينبئ عن صفة الايمان والكفر فالتقييد بصفة الايمان يكون زيادة والزيادة على النص نسخ فلا يثبت بخبر الواحد ولا بالقياس ثم قياس المنصوص على المنصوص عندنا باطل لأنه اعتقاد النقص فيما تولى الله بيانه وذلك لا يجوز وكذلك شروط الكفارات لا تثبت بالقياس كأصلها ولا يجوز دعوى التخصيص هنا لان التخصيص فيما له عموم والمطلق غير العام وامتناع جواز العمياء ونظائرها ليس بطريق التخصيص بل لكونها مستهلكة من وجه كما بينا منع ان التخصيص فيما له لفظ والصفة في الرقبة غير مذكورة ولا يقال بين صفة الكفر والايمان تضاد فإذا جوزنا المؤمنة انتفى جواز الكافرة لأن جواز المؤمنة عندنا لأنها رقبة لا بصفة الايمان ألا ترى أنا نجوز الصغيرة والكبيرة وبين الصفتين تضاد وكذلك نجوز الذكر والأنثى وبين الصفتين تضاد ولكن الجواز باسم الرقبة فكان الوصف فيه غير معتبر فأما حمل المطلق على المقيد فالعراقيون من مشايخنا رحمهم الله يجوزون ذلك في حادثة واحدة كما في قوله صلى الله عليه وسلم في خمس من الإبل شاة مع قوله في خمس من الإبل السائمة شاة ولكن الأصح أنه لا يجوز حمل المطلق على المقيد عندنا في حادثة ولا في حادثتين حتى جوز أبو حنيفة رحمه الله تعالى التيمم بجميع أجزاء الأرض لقوله صلى الله عليه وسلم
(٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 ... » »»
الفهرست