المبسوط - السرخسي - ج ٤ - الصفحة ٦٥
ذلك كليلة النحر تجعل تبعا ليوم عرفة في حكم الوقوف فإن لم يرمها حتى يصبح من الغد رماها لبقاء وقت جنس الرمي ولكن عليه دم للتأخير في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ولآدم عليه عندهما وهو نظير ما بينا في تأخير طواف الزيارة عن أيام النحر فأبو حنيفة رحمه الله تعالى هنا جعل تأخير الرمي عن وقته بمنزلة تركه ورمى جمرة العقبة يوم النحر نسك تام فكما أن تركه يوجب الدم فكذلك تأخيره عن وقته وكذلك إن ترك الأكثر منها لان الأكثر بمنزلة الكل وان ترك منها حصاة أو حصاتين أو ثلاثا إلى الغد رماها وتصدق لكل حصاة بنصف صاع من حنطة على مسكين إلا أن يبلغ دما فحينئذ ينقص منه ما شاء لان المتروك أقل فتكفيه الصدقة وقد بينا نظيره في تأخير طواف الزيارة وان ترك رمى احدى الجمار في اليوم الثاني فعليه صدقة لان رمى الجمار الثلاث في اليوم الثاني نسك واحد فإذا ترك أحدها كان المتروك أقل فتكفيه الصدقة إلا أن المتروك أكثر من النصف فحينئذ يلزمه الدم وجعل ترك الأكثر كترك الكل (قال) وان ترك الرمي كله في سائر الأيام إلى آخر أيام الرمي رماها على التأليف لان وقت الرمي باق فعليه ان يتدارك المتروك ما بقي وقته كالأضحية إذا أخرها إلى آخر أيام النحر وعليه دم للتأخير في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ولآدم عليه في قولهما فان تركها حتى غابت الشمس من آخر أيام الرمي سقط عنه الرمي بفوات الوقت لان معنى القربة في الرمي غير معقول وإنما عرفناه قربة بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو إنما رمي في هذه الأيام فلا يكون الرمي قربة بعد مضى وقتها كما لا يكون إراقة الدم قربة بعد مضى أيام النحر وإذا لم يكن قربة كان عبثا فلا يشتغل به وعليه دم واحد عندهم جميعا لان الرمي كله نسك واحد وهو واجب فتركه يوجب الجبر بالدم كما هو مذهبنا في ترك السعي بين الصفا والمروة ولا يبعد أن يكون ترك البعض موجبا للدم ثم لا يجب بترك الكل الا دم واحد كما أن حلق ربع الرأس في غير أوانه يوجب الدم ثم حلق جميع الرأس لا يوجب الا دما واحدا وقص أظافر يد واحدة يوجب الدم ثم قص الا ظافر كلها لا يوجب الا دما واحدا (قال) وان بدأ في اليوم الثاني بجمرة العقبة فرماها ثم بالوسطى ثم بالتي تلى المسجد ثم ذكر ذلك في يومه قال يعيد على الجمرة الوسطى وجمرة العقبة لأنه نسك شرع مرتبا في هذا اليوم فما سبق أوانه لا يعتد به فكان رمى الجمرة الأولى بمنزلة الافتتاح للجمرة الوسطى والوسطى بمنزلة الافتتاح لجمرة العقبة فما أدى قبل وجود مفتاحه لا يكون معتدا به
(٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 ... » »»
الفهرست