له انتهى. وقاله ابن رشد في أول مسألة من كتاب الأقضية ولم يذكر فيه خلافا، ونصه إثر قول العتبية: سئل مالك عن الرجل يأتي بكتاب من والي مكة إلى والي المدينة مثل القاضي والأمير وما أشبهه فلا يصل إلى المدينة حتى يموت الذي كتب له الكتاب وقضى له بالحق، قال مالك: فأرى لصاحب المدينة أن ينفذ ذلك الكتاب ويقضى له بما فيه، أرأيت لو أن قاضيا قضى لرجل ثم هلك فجاء آخر بعده، أكان ينقض ما قضى ذلك؟ قال ابن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة جارية على الأصول مثل ما في المدونة والواضحة وغيرهما، لا اختلاف فيها ولا إشكال في معناها لأنه لما كان الأصل أن للقاضي أن ينفذ ما ثبت عنده من قضاء حكام البلد وإن قد كانوا ماتوا أو عزلوا كما يعتقد ما ثبت عنده من قضاء الحاكم قبله ببلد الميت أو المعزول، وجب أن تنفذ كتبهم وإن كانوا قد ماتوا أو عزلوا قبل وصول كتبهم إليه وقبل انفصالها عن ذلك البلد فيصل حكمه بحكمهم ويبنيه عليه كما ينفذ ما ثبت عنده أنه مضى من عمل الحاكم قبله المعزول أو الميت فيصل حكمه بحكمه ويبنيه عليه، ولا يأمر الخصمين باستئناف الخصام عنده إن كان الشهود قد شهدوا عند الميت أو المعزول بما شهد على ذلك أو كتب به إلى حاكم بلد آخر ثم مات أو عزل نظر الذي ولي بعده أو المكتوب إليه بما شهدوا به كما ينظر في ذلك الميت أو المعزول ولم يأمر بإعادة الشهادة عنده. وإن كانوا قد شهدوا عنده فقبلهم أعذر إلى المشهود عليه فيما شهدوا به دون أن ينظر إلى شهادتهم، وإن كانوا قد شهدوا عنده فأعذر في شهادتهم إلى المشهود عليه فعجز عن الدفع فيها أمضى الحكم عليه دون أن يستأنف الاعذار عليه مرة أخرى وهذا بين انتهى. وعلى ذلك اقتصر المؤلف في آخر الباب حيث قال: فينفذه الثاني وبنى كأن نقل لخطة أخرى والله أعلم.
فرع: يتضمن الكلام على حكم قضاة الكور. قال ابن رشد في نوازله في مسائل الأقضية ما نصه. وأما السؤال العاشر فهو في قضاة الكور كغدة وجيان وواد آش وأشباهها يغيبون عنها أو يمرضون أو يشتغلون، هل يستنيبون من يحكم بين الناس بغير إذن من ولاهم من قضاة القواعد؟ وكيف إن فعلوا ذلك من غير مرض ولا مغيب إلا تخفيفا عن شغوب الناس، فهل تجوز أحكامهم ومخاطبتهم غيرهم من قضاة البلد؟ وهل يجوز لهم ضرب الآجال أو التعجيز في المطالب؟ وهل يقيمون الحد في الخمر وفي الزنا على البكر أم لا؟ وكيف إن كان ذلك بإذن قضاة القواعد؟ فإن كان ذلك جائزا فكيف يعرف الاذن في ذلك، بإذن قاضي الكورة أم بإعلام الذي ولاه وهذا قد تتعذر معرفته؟ بين لنا ذلك كله بيانا شافيا. الجواب عليه:
لا يجوز أن يستنيب غيره على شئ من الاحكام وهو حاضر غير مريض، وأما إن غاب أو مرض فيجوز له ذلك إن كان الذي قدمه قد فوض إليه ذلك وجعله له في تقديمه إياه وذلك معلوم من سيرة أحكامه في الكور، وينزل مستخلفه في مرضه أو غيبته منزلته في جميع الأمور، وإن لم يتضمن ذلك كتاب تقديمه إياه ولا كان ذلك معروفا من سيرة أحكامه في الكور فلا