مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ٨ - الصفحة ٢٨٨
من الطلب قاله مالك وابن وهب وابن عبد الحكم وأصبغ، وإذا كان طول المدة مع حضور الطالب وسكوته مانعا له من الطلب. فالطلب ممنوع في سائر المطالب دون وثائق وأحكام ورباع بدليل أن السكوت في ذلك يعد كالاقرار المنطوق به من الطالب للمطلوب بأنه لا حق له عليه ولا تباعة ولا طلب.
قلت: هذا الجواب يقتضي أن ما بعد الثلاثين مجمع عليه وإذا أجراه على مسائل الحيازة ففيها قريب القرابة والبعيد والمتوسط والمقاطع لقريبه والمواصل له، فيجري عليها وفي بعضها ما يبلغ الخمسين وأكثر مع أني أحفظ لابن رشد في شرحه أنه إذا تقرر الدين وثبت لا يبطل وإن طال لعموم الحديث المتقدم. واختاره التونسي إذا كان ذلك بوثيقة مكتوبة وهي في يد الطالب والطلب بسببها لان بقاءها بيد ربها دليل على أنه لم يقبض دينه. إذ العادة إذا قبض دينه أخذ عقده أو مزقه بخلاف إذا كانت الديون بغير عقود ولو وجدت بغير المطلوب وإلا ففيها قولان، حكاهما ابن رشد وخرجهما على القولين في الرهن إذا وجد بيد الراهن، هل هو إبراء له أم لا؟
لجواز وقوعه وسقوطه أو التسور عليه ونحو ذلك، وقياسه على باب الحيازة فيه نظر لما أصل ابن رشد أن ترجيح الحيازة إنما هو فيما جهل أصله، وأما إذا ثبت أصله بكراء أو إعارة أو إعمار أو غير ذلك فلا يزال الحكم كذلك وإن طال الزمان والدين إن ثبت أصله أيضا وإن كان في هذا الأصل خلاف في كتاب الولاء من المدونة لكن مذهب ابن القاسم ما ذكره خلافا لقول الغير، وعليه جرى عمل القضاة في هذا الزمان بتونس ما لم تقترن قرائن تدل على دفع الدين مع طول الزمان فيعمل عليها في البراءة والله أعلم انتهى. ويشير والله أعلم بقوله: وقياسه على باب الحيازة فيه نظر لما أصل ابن رشد أن ترجيح الحيازة إنما هو فيما جهل أصله إلى ما قاله في شرح المسألة الرابعة من سماع يحيى من كتاب الاستحقاق. ولنذكر المسألة وكلامه عليها ونصها مسألة: قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن رجل أصدق امرأة عن ابنه منزلا، فلما دخل ابنه بالمرأة أخذت المنزل إلا حقولا يسيرة تركتها في يد حموها فلم تزل في يده حتى مات بعد طول زمان، ثم أرادت المرأة أخذها فمنعها ورثة الحمو وقالوا قد عاينتيها زمانا من دهرك وهي في يده ولا تشهدي عليه بعارية ولا كراء، ولا ندري لعلك أرضاك من حقك، أترى للمرأة في ذلك حقا؟ قال: نعم لها أن تأخذ تلك الحقول التي هي مما كان أصدقها الحمو عن ابنه، ولا يضرها طول ما تركت ذلك في الحمو لأنها ليست بالصدقة فتلزم حيازتها، وإنما الصداق ثمن من الأثمان، وكذلك لو تركت كل ما أصدقها في يد الحمو لم يضرها ذلك. قال ابن رشد.
هذه المسألة صحيحة بينة لا إشكال فيها ولا اختلاف لان حقها تركته في يد حموها فلا يضرها ذلك طال الزمان أو قصر لقول رسول الله (ص): لا يبطل حق امرئ مسلم وإن قدم وليس هذا من وجه الحيازة التي ينتفع بها الحائز ويفرق بين القرابة والأجنبيين والأصهار فيها إذا قد عرف وجه كون الأحقال بيد الحمو فهي على ذلك محمولة حتى يعرف مصيرها إليه بوجه
(٢٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 283 284 285 286 287 288 289 290 291 292 293 ... » »»
الفهرست