تحبيسه أنه لا يعطى إلا كتاب بعد كتاب، فإذا احتاج الطالب إلى كتابين أو تكون كتبا شتى فهل يعطى كتابين منها أم لا يأخذ منها إلا كتابا بعد كتاب؟ فأجاب: إن كان الطالب مأمونا واحتاج إلى أكثر من كتاب أخذه لان غرض المحبس أن لا يضيع، فإذا كان الطالب مأمونا أمن هذا، وإن كان غير معروف فلا يدفع إليه إلا كتاب واحد، وإن كان من أنواع العلوم خشية الوقوع في ضياع أكثر من واحد.
قلت: تقدم بعض أحكام شروط الحبس من كلام أبي عمران وغيره، وظاهره أنه لا يتعدى ما شرطه لقوله عليه السلام المسلمون عند شروطهم. وظاهر ما في هذا السؤال أنه يراعى قصد المحبس لا لفظه، ومنه ما جرى به العرف في بعض الكتب المحبسة يشترط عدم خروجها من المدرسة وجرت العادة في هذا الوقت بخروجها بحضرة المدرسين ورضاهم، وربما فعلوا ذلك في أنفسهم ولغيرهم وهو والله أعلم لما أشار إليه هذا الشيخ لا لفظه. ومثله ما فعلته أنا في مدرسة الشيخ التي بالقنطرة غيرت بعض أماكنها مثل الميضأة ورددتها بيتا ونقلتها إلى محل البئر لانقطاع الساقية التي كانت تأتيها، ورددت العلو المحبس على عقبة المذكور بيوتا لسكني الطلبة بعد إعطاء علو من المحبس يقوم مقامه في المنفعة بموجب مذكور في محله وكزيادة في رواتب طلبة لما أن كثروا يدخل شئ من خراجها بحيث لو كان المحبس حاضرا لارتضاه، وكان ذلك كله برضا الناظر في الحبس النظر التام كيف ظهر له الصواب يعطي حسبما ذلك مذكور في كتاب التحبيس. وعلى مراعاة لفظ المحبس في شرطه أفتى بعض أصحابنا فيمن بنى مدرسة وجعل فيها بيوتا للسكنى وشرط في أصل تحبيسها أن لا يسكنها إلا من يصلي الصلوات الخمس في مسجدها إن لم يكن إماما في غيرها، وأن يحضر الحزب المرتب فيها لقراءة القرآن إن كان قارئا ويحضر الميعاد في وقته ومن لم يفعل ذلك فليس له سكنى. فأجاب بأن الشروط المذكورة يجب الوفاء بها ولا يجوز مخالفتها. ومن هذا المعنى الدخول للمدارس لقضاء الحاجة بها والوضوء والشرب من مائها وهو لم يكن من أهلها ولا أعدت الميضأة والشرب إلا لأهلها، فسألت شيخنا الامام عنها فأجاب: إنه إن كان من جنس أهلها ساغ له ذلك لان الحبس لأهل ذلك الصنف وهو غير معين، فمتى وجد ذلك الصنف جرى حكمه على ما صح لأهلها، فإن كان من غير صنف أهل ذلك الحبس فلا يجوز له.
وكذلك عارية بيت للسكنى من بعض أهل الحبس، فإن كان المستعير من أهل ذلك الحبس جاز وإلا لم يجز لوجهين: لفقدان شرط التحبيس عادة والتصرف في المنفعة بالهبة وهو لم يؤذن له في نفسه فقط. ووقعت هذه المسألة بالديار المصرية فسألت عن المسألة فأجبت بمنع عاريتها، ثم إني فعلت ذلك استعرت بيتا في مدرسة شيخون وآخر في الناصرية فتعقب ذلك