فلا يفيد التأبيد إلا إذا قارنه قيد كقوله: لا يباع ولا يوهب أو جهة لا تنقطع كصدقة على الفقراء والمساكين وطلبة العلم والمجاهدين يسكنونها أو يستغلونها أو على مجهول ولو كان محصورا كعلى فلان وعقبه، وغير المحصور كعلى أهل المدرسة الفلانية أو الرباط الفلاني، فإن تجرد عن ذلك فلا يفيد الوقف، فإن كان على معين كقوله صدقة على فلان فهي له ملك، وإن كان لغير معين كالفقراء فالناظر يصرف ثمنها باجتهاده على المساكين يوم الحكم ولا يلزم التعميم. قال في المقدمات: وللتحبيس ثلاثة ألفاظ: حبس ووقف وصدقة. ثم قال: وأما الصدقة فإن تصدق بذلك على معينين ولا محصورين مثل أن يقول هذه الدار صدقة على فلان فهذا لا اختلاف فيه أنها لفلان ملك يبيعها ويهبها وتورث عنه. وإن تصدق بها على غير معينين ولا محصورين مثل أن يقول هذه الدار صدقة على المساكين أو في السبيل أو على بني زهرة أو بني تميم، فإنها تباع ويتصدق على المساكين على قدر الاجتهاد إلا أن يقول صدقة على المساكين يسكنونها أو يستغلونها فتكون حبسا على المساكين للسكنى والاغتلال ولا تباع، وإن تصدق بذلك على غير معينين إلا أنهم محصورون مثل أن يقول داري صدقة على فلان وعقبه، هل ترجع بعد انقراض العقب مرجع الأحباس على أقرب الناس بالمحبس أو تكون لآخر العقب ملكا مطلقا على قولين. روى أشهب عن مالك أنها تكون لآخر العقب ملكا مطلقا، وحكى ابن عبدوس أنها ترجع مرجع الأحباس وهو قول مالك وبعض رجاله في المدونة. وقد قيل في المسألة قول ثالث: إن ذلك إعمار وترجع بعد انقراض العقب إلى المصدق ملكا انتهى.
فائدة: قال النووي في تهذيب الأسماء واللغات: قولهم: لو اختلط عدد محصور بعدد محصور أو بغير محصور هذا اللفظ مما يتكرر في كتب الفقه وقل من يبين حقيقة الفرق بينهما، وقد نقلت في الروضة في آخر كتاب الصيد كلام الغزالي فيه. قال الامام الغزالي: إن قلت كل عدد فهو محصور في علم الله، ولو أراد إنسان حصر أهل البلد لقدر عليه إن تمكن منهم. فاعلم أن تحرير أمثال هذه الأمور غير ممكن وإنما يضبط بالتقريب فنقول: كل عدد لو اجتمع في صعيد واحد لعسر على الناظر عدده بمجرد النظر كالألف ونحوه فهو غير محصور، وما سهل كالعشرة والعشرين فهو محصور وبين الطرفين أوساط متشابهة تلحق بأحد الطرفين بالظن، وما وقع الشك فيه استفتي فيه القلب. هذا كلام الغزالي انتهى كلام النووي.
فرع: قال في التمهيد: قال مالك: إذا أعطي فرسا في سبيل الله فقيل له هو لك في سبيل الله فله أن يبيعه، وإن قيل هو في سبيل الله ركبه ورده. وذكر ابن القاسم عن مالك: قال: قال مالك: من حمل على فرس في سبيل الله فلا أرى له أن ينتفع من ثمنه في غير سبيل الله إلا أن يقول له شأنك به فافعل به ما أردت، فإن قيل له ذلك فأراه مالا من ماله يعمل به في غزوه إذا هو بلغه ما يعمل به في ماله. قال: وكذلك لو أعطي ذهبا أو ورقا في سبيل الله. ومذهب مالك فيمن أعطي مالا ينفقه في سبيل الله أنه ينفقه في الغزو، فإن فضلت منه فضلة بعد ما مر غزوه لم