غاب غيبة بعيدة فما عمل الآخر بينهما وإن عقدا على هذا لم تجز الشركة، فإن نزل ذلك كان ما اجتمعا فيه من العمل بينهما على قدر عملهما وما انفرد به أحدهما له خاصة انتهى. زاد القرافي بعد قوله: لم تجز الشركة للغرر. قال ابن يونس إثر كلام المدونة المذكور: يريد قل أو كثر. ثم قال: قال بعض فقهائنا القرويين: وإن لم يعقدا على هذا لا ينبغي أن يكون القدر الذي لو صح هذا كان بينهما أن يكون بينهما، ويكون الزائد على ذلك للعامل وحده ويسمح في الشركة الصحيحة عن التفاضل اليسير. وأما إذا فسدت الشركة لم يسمح بذلك انتهى.
ونقله أبو الحسن وقال بعده: وخالفه اللخمي وقال: لا يكون ذلك القدر له وهذا نقل بالمعنى.
الشيخ: والخلاف يبنى والله أعلم على الجزء من الجملة هل يستقل بنفسه أم لا، كمن يسجد على أنفه بدلا من الايماء انتهى. وهذا هو الخلاف الذي أشرنا إليه في التنبيه الرابع من القولة التي قبل هذه في لغو اليومين من المدة الكثيرة في الشركة الصحيحة. وعلى قول بعض القرويين ينبغي أن يلغى ذلك، وعلى ما نسبه أبو الحسن للخمي لا يلغى أيضا، وليس كلام اللخمي صريحا في المخالفة لما قاله بعض القرويين وقد تقدم لفظه ولهذا قال والله أعلم. وهذا نقل بالمعنى. وجعل الشارحان هذا الكلام هو معنى قول المصنف: وهل يلغى اليومان كالصحيحة تردد قال الشارح في الكبير: ذكر عن بعض القرويين أن ذلك يلغى وإنما يرجع بما زاد. وقال اللخمي: لا يلغى واقتصر عليه ولهذا أشار بالتردد، ونحوه في الصغير. وقال في الشامل: فإن شرط عدمه في العقد أو كثير آلة فسدت ولا يلغى اليومان فيها على الأظهر انتهى.
قلت: وهذا الذي ذكره لم أقف عليه، وتقدم كلام بعض القرويين أن الفاسدة لا يسامح فيها وإنما يسامح باليسير في الصحيحة، فكلام بعض القرويين موافق لكلام اللخمي فإنه قال بعد أن تكلم على المدة الطويلة: ولو اشتركا على العفو عن مثل ذلك كانت شركة فاسدة، ولو فسدت الشركة بينهما من غير هذا الوجه لكان التراجع بينهما في قريب ذلك وبعيده انتهى.
ولم أقف على القول بلغو اليومين في الفاسدة بعد مراجعة اللخمي وابن يونس وأبي الحسن والرجراجي والذخيرة وابن عرفة، ولم يذكر هذه المسألة في التوضيح، ولعل المصنف أراد أن يقول: وهل يلغى اليومان كالقصيرة تردد، ويكون مراده وهل يلغى اليومان من المدة الطويلة كما يلغيان في المدة القصيرة وهو الذي يقوله بعض القرويين، أو لا يلغيان. وهو الذي نسبه أبو الحسن الصغير للخمي والله أعلم. وأما قوله: ككثير الآلة فيشير به المصنف إلى أن الشركة كما تفسد بشرط إلغاء المدة الكثيرة، فكذلك تفسد الشركة إذا أخرج أحدهما الآلة الكثيرة من عنده، يريد ولو كان بغير شرط. واحترز بذلك من يسير الآلة فإنه إذا تفضل به أحدهما لا تفسد الشركة، وما ذكرنا من فساد الشركة بالآلة الكثيرة ولو كان بلا شرط هو الموافق لما في المدونة، وبه فسر الشارح كلام المصنف وقيده البساطي بالشرط وهو مخالف للمدونة قال فيها:
وإن تطاول أحد القصارين على صاحبه بشئ تافه من الماعون لا قدر له في الكراء كالقصرية