مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ٥ - الصفحة ٣٦٧
فإن وقوع الطلاق فيها مشروط بالمشيئة. ومن هذه المسألة ما وقع لأصبغ فيمن قال أنت طالق إلا أن يمنعني أبي فمنعه أبوه لا شئ عليه. واستشكله بعضهم بأن الطلاق بعد وقوعه لا يرتفع بإرادة أبيه إلا أن يريد التعليق انتهى. وهذه المسألة في نوازل أصبغ من كتاب الايمان بالطلاق قال في رجل قال لامرأته: أنت طالق البتة إلا أن يمنعني أبي فمنعه أبوه: لا أرى عليه شيئا وأراه بمنزلة قوله إلا أن يشاء أبي فلم يشأ أبوه، وأصله قوله هي طالق إن شاء أبي فلم يشأ. قال ابن رشد: تشبيه أصبغ إلا أن يمنعني أبي إلا أن يشاء صحيح، وأما قياسه ذلك على قوله امرأته طالق إلا أن يشاء أبوه فليس بصحيح، لأن قوله إن شاء أبي طلاق مقيد بشرط مشيئة أبيه فلا يقع إلا أن يشاء أبوه إذا لم يوجبه على نفسه إلا بذلك كمن قال امرأته طالق إن ضرب أبوه غلامه أو دخل الدار، وقوله إلا أن يشاء إنما هو طلاق قيد حله عنه بمشيئة أبيه لأن تقدير قوله امرأته طالق إلا أن يشاء أبي إلا أن يكون طلاقا ولا مشيئة لأبيه في أن لا تكون طالقا إذا كان هو قد طلقها. فقوله لها أنت طالق فلا يسقط عنه الطلاق بما استثنى من مشيئة أبيه كما لا يسقط عنه لو قال امرأتي طالق إلا أن يضرب أبي غلامه أو يدخل الدار وهذا بين لا خفاء فيه.
فلا يصح أن يحمل قول الرجل امرأته طالق البتة إلا أن يمنعني أبي من ذلك أو إلا أن يشاء أبي ذلك على أن مراده بذلك إنما هو امرأتي طالق البتة إن شاء أبي إذ لا يحتمل ذلك اللفظ لكونه ضد مقتضاه إلا أن يقول الرجل أردت ذلك فينوي إذا جاء مستفتيا. ولا يصح على أصولهم أن ينوي في ذلك مع قيام البينة عليه فضلا عن أن تحمل يمينه على ذلك إذا لم تكن له نية.
ووجه قول أصبغ أنه لما كان قوله إلا أن يشاء أبي أو إلا أن يمنعني أبي لغو لا فائدة فيه لقائله ولا تأثير له في الطلاق، حمل على أنه أراد إن شاء أبي إذ لا تفرق العوام والجهال بين هذه الألفاظ، فهذا يشبه أن يفتي به الجاهل على أن من قوله في نوازله إن الجهالة ليست بأحسن حالا من العلم في الطلاق. فقوله على كل حال ضعيف، وهذا الذي ذكرناه أظهر محتملات كلامه. ويحتمل أن يريد بقوله امرأته طالق إلا أن يشاء أبي امرأته طالق ولا ألزم نفسي ذلك إلا أن يشاء أبي، فيكون على هذا التأويل بمنزلة قوله إلا أن يريد أبي، وإلى هذا نحا أصبغ، ويحتمل وجها ثالثا وهو أن يريد بذلك امرأته طالق إلا أن يفعل فلان كذا وكذا أو إن لم يفعل كذا وكذا، فيكون على هذا التأويل كمن حلف بالطلاق على غيره أن يفعل فعلا فيحال بينه وبين امرأته ويدخل عليه الايلاء أو يتلوم له على الاختلاف في ذلك، فهذه ثلاثة وجوه تحتملها المسألة: فإن أراد الحالف أحدها حملت عليه يمينه، وإن لم تكن له نية فيختلف على أي وجه منها تحمل يمينه. انتهى.
قلت: أما إذا قال إلا أن يشاء أبي فأظهر الاحتمالات هو الثاني كما قال أصبغ. وأما إذا قال إلا أن يضرب أبي غلامه أو يدخل الدار فأظهرها الثالث فتأمله والله أعلم. ونقل ابن عرفة
(٣٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 362 363 364 365 366 367 368 369 370 371 372 ... » »»
الفهرست