تعالى ألقى في قلوبهم الرعب وحبسهم عن النزول إلى البر بما حبس به الفيل فلم ينزلوا ولم يقاتلوا وأقاموا نحو خمسة أيام، ثم إنهم رجعوا من غير قتال فتلا الناس هذه الآية كأنها أنزلت في تلك الساعة: * (ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا) * ثم إنهم تشتتوا وتفرقوا وأهلهكم الله وأدركهم الأمير سلمان أمير جدة وغنم منهم غرابا وأخذه وأسر من فيه. واتفق عند رجوعهم من جدة إن تأخر منهم غراب فأراد الأمير سلمان إدراكه فنزل إليه، فلما قرب منه رجع عليه منهم نحو عشرة أغربة فقصدهم فشق ذلك على المسلمين خوف أن يظفروا به فقدر أنهم أطلقوا على الكفرة مدفعا فرجع عليه وأحرق شراعهم وأحرق بعضهم رأيت منهم نحو الثلاثة محرقين، فلما رأى الأمير ذلك رجع بسرعة إلى جدة فلم يدركوه وشنق الذي أطلق المدفع فإنه يقال إنه فعل ذلك عمدا لأنه حديث عهد بالاسلام. ويقال: إن إسلامه في الظاهر فقط والله أعلم. وفي ذلك اليوم رآهم الناس من بعد قرب البر فظنوا أنهم نزلوا إلى البر فخرجوا إليهم وساروا إلى القرب منهم فلم ينزل منهم أحد. أسأل الله أن يخذلهم ويكف شرهم عن المسلمين آمين. ودهلك المذكورة قال عياض: بفتح الدال اسم ملك من ملوك السودان وبه سمي البلد، وهو جزيرة ساحل البحر من جهة اليمن. قال: وتلك الناحية أقصى تهامة اليمن. قال عياض: دهلك أقدم من الزمن الذي تكلم فيه مالك انتهى. ولم أقف على حقيقة ذلك ما هو والله أعلم. ثم في سنة ست وعشرين أتوا إلى قرب جدة ورجعوا مخذولين، ثم في جمادى الأولى من سنة تسع وعشرين أشيع أنهم واصلون إلى جدة وتتابع الخبر بذلك إلى رابع جمادى الأخيرة، فجاء الخبر بأنه مر بعض الجلاب على مواضع قريبة من جدة وسمع مدافع كثيرة فيه فما شك الناس أنهم أعداء الله الكفرة وأنهم واصلون في القرب، فبادر الناس إلى النزول إلى جدة وتحصينها بالمدافع والآلات وأقاموا بها مدة، ثم لم يظهر لهم خبر ولم يأت منهم أحد بعد تلك السنة ولله الحمد، غير أنه في بعض السنين يذكر أن بعض مراكب منهم في البحر في طريق عدن وسواحل اليمن إلى سنة تسع وأربعين وتسعمائة فجاء منهم بعض أغربة في تلك السنة إلى أن وصلوا إلى ساحل جدة وأخذوا بعض الجلاب الواصلة إلى جدة من الشام ومن اليمن وفيها جماعة من الحجاج فك الله أسرهم ونصر المسلمين وألهمهم رشدهم وخذل الكفرة ورد كيدهم في نحرهم آمين آمين. ص: (إلا المتصدق به على معين فالجميع) ش: ذكر هذا
(٥٠٠)