سيأتي، وإن غير المستطيع لا يجزئه حجه عن حجة الاسلام فيكون القولان في هذه المسألة قول أكثر الشيوخ أن الاستطاعة شرط في الوجوب، وقول بعضهم أنها شرط في الصحة. وهذا إنما يكون في مثل هذه الصورة التي فرضناها وهي أن يحرم وهو غير مستطيع، وأما من كان بموضع غير مستطيع فتكلف وأتى وما حصل منه الاحرام إلا بعد وصوله له من موضع يجب عليه الحج منه لكونه مستطيعا، فلا يختلف في وجوبه ولا في صحة حجه وإجزائه عن الفرض كما تقدم عن صاحب التمهيد. ولا يقال يلزم أن نقول بالاجزاء على أحد القولين فيما إذا حصل السبب وهو الاستطاعة وفقدت الشروط أعني الحرية والتكليف، لأنا نقول: يلزم من عدم الشروط عدم السبب الذي هو الاستطاعة لأن العبد والصبي والمجنون غير مستطيعين لان المملوك لا تصرف له في نفسه والصبي والمجنون محجور عليهما في التصرف في أموالهما.
وقوله: بلا نية ونفل يعني به أن من شرط وقوع الحج فرضا أن يخلو عن نية النفل بأن ينوي الفرض أو ينوي الحج ولم يعين فرضا ولا نفلا فإنه ينصرف إلى حجة الاسلام كما قاله سند ونصه: ولو نوى الحج ولم يعين حجة الاسلام انصرف مطلق بنية إلى حجة الاسلام عند الجميع إذا كان ضرورة وذلك لتأثير قربه. وإنما اختلف الناس إذا نوى النفل هل ينصرف إلى الفرض أولا؟ فقال الشافعي: ينصرف إلى الفرض وكذلك لو أحرم به عن غيره وهو ضرورة قال: ينصرف إلى فرض نفسه انتهى.
فتحصل من هذا إنه نوى النفل انعقد ولم ينقلب فرضا خلافا للشافعي. وكره له تقديم النفل على الفرض قاله الجلاب والتلقين وغيرهما، وكذلك يكره لمن عليه نذر تقديمه على فرض قاله سند في باب بقية من أحكام الإجارة. ولو قرن النفل مع الفرض فجعله البساطي بمنزلة من نوى النفل ولم أره لغيره. ونص كلامه: وأما قوله يعني المصنف: بلا نية نفل فيظهر أنه قال:
أي خال من نية نفل سواء لم ينو إلا النفل أو قرنه على أن هذا غير محتاج إليه انتهى. وهو في عهدة قوله: أو قرنة وقوله: غير محتاج إليه لأنه إن عنى به قوله: أو قرنة فظاهر، وإن عنى به قول المصنف: بلا نية نفل فغير مسلم ولا يقال قوله: بلا نية نفل يغني عنه ما فهم من قوله وقت إحرامه وهو أنه إذا أحرم الصبي ثم بلغ، أو العبد ثم عتق. فقد انعقد إحرامهما نافلة ولا ينقلب فريضة، وكذلك نفل غيرهما لأنا نقول: لا يلزم من عدم انقلاب نفلهما إلى الفرض وعدم انقلاب نفل غيرهما لأن أول أركان الحج وهو لاحرام حصل منهما وهما ليسا من أهل الفرض البتة. قال ابن عبد السلام: فحال أن ينقلب النفل فرضا في حق من لا يصح منه الفرض بخلاف نفل من كان وقت الاحرام من أهل الفرض فقد يقال: إنه يمكن أن ينقلب فرضا فلذلك نبه عليه والله أعلم.
السادس: تقدم أن شروط وجوب الحج الحرية والبلوغ والعقل، وأنها أيضا من شرط وقوعه فرضا. وهذا إذا قلنا إن المميز عاقل، وأما إن قلنا لا عقل إلا للبالغ فيكفي اشتراط العقل