فصل في الطلاق أي في بيان أحكامه: ككونه مكروها أو حراما وواجبا أو مندوبا، وككونه يفتقر إلى نية في الكناية ولا يفتقر إليها في الصريح، والأصل فيه قبل الاجماع الكتاب: كقوله تعالى: * (الطلاق مرتان) * أي عدد الطلاق الذي تملك الرجعة بعده مرتان، فلا ينافي أنه ثلاث، وقد سئل (ص) أين الثالثة؟ فقال: * (أو تسريح بإحسان) * ولذلك قال الله تعالى بعده: * (فإن طلقها) * أي الثالثة * (فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) * وكقوله تعالى: * (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) * والسنة كقوله (ص): أتاني جبريل فقال لي: راجع حفصة فإنها صوامة قوامة، وإنها زوجتك في الجنة رواه أبو داود وغيره بإسناد حسن.
والطلاق لفظ جاهلي جاء الشرع بتقريره، فليس من خصائص هذه الأمة - يعني أن الجاهلية كانوا يستعملونه في حل العصمة أيضا لكن لا يحصرونه في الثلاث. وفي تفسير ابن عادل روي عروة بن الزبير قال: كان الناس في الابتداء يطلقون من غير حصر ولا عدد، وكان الرجل يطلق امرأته، فإذا قاربت انقضاء عدتها راجعها ثم طلقها كذلك، ثم راجعها بقصد مضاررتها، فنزلت هذه الآية: * (الطلاق مرتان) *.
وأركانه خمسة: زوج، وصيغة، وقصد، ومحل، وولاية عليه. وكلها تعلم من كلامه (قوله: وهو لغة حل القيد) أي أن الطلاق معناه في اللغة حل القيد: أي فكه سواء كان ذلك القيد حسيا: كقيد البهيمة، أو معنويا: كالعصمة.
فلذلك كان المعنى اللغوي أعم من المعنى الشرعي لان القيد فيه المعبر عنه بالعقد معنوي. ومن المعنى اللغو قولهم ناقة طالقة: أي محلول قيدها إذا كانت مرسلة بلا قيد. ومنه أيضا ما في قول الإمام مالك:
العلم صيد والكتابة قيده * قيد صيودك بالحبال الواثقة فمن الحماقة أن تصيد غزالة * وتفكها بين الخلائق طالقه وقد نظم بعضهم ما تضمنه هذان البيتان في قوله: