إعانة الطالبين - البكري الدمياطي - ج ٤ - الصفحة ٢٨٢
مطلق لفعل محذوف: أي وينتظر سيده انتظارا. (قوله: فإن أبطأ سيده) أي تراخى في طلب عبده. (قوله: باعه الحاكم) أي أو يؤجره إن أمن عليه. (قوله: فإذا جاء سيده فليس له غير الثمن) أي وليس له فسخ البيع، لان ما صدر من الامام كان نيابة شرعية عنه.
تتمة: في القسمة وهي تمييز بعض الانصباء من بعض. والأصل فيها قبل الاجماع قوله تعالى: * (وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه) *. فكان يجب إعطاء المذكورين شيئا من التركات في صدر الاسلام، ثم نسخ الوجوب وبقي الندب، وأخبار كخبر الصحيحين: كان رسول الله (ص) يقسم الغنائم بين أربابها.
والحاجة داعية إليها ليتمكن كل واحد من الشريكين أو الشركاء من التصرف في نصيبه استقلالا، ويتخلص من سوء المشاركة، واختلاف الأيدي. وأركانها ثلاثة: قاسم ومقسوم ومقسوم له، ويشترط في القاسم المنصوب من جهة الامام أهلية الشهادات، وعلمه بالقسمة وكونه عفيفا عن الطمع، حتى لا يرتشي ولا يخون، فإن لم يكن منصوبا من جهة الامام بل تراضى عليه الشريكان أو الشركاء ولم يحكموه في القسمة، لم يشترط فيه إلا التكليف، فإن حكموه، اشترط فيه ما اشترط في منصوب الامام.
واعلم أن القسمة على ثلاثة أنواع:
أحدها: القسمة بالنظر للاجزاء المتساوية، كقسمة المثليات من حبوب وغيرها، فتجزأ الانصباء كيلا في مكيل ووزنا في موزون، وتسمى هذه القسمة قسمة المتشابهات، لان الاجزاء فيها متشابهة قيمة وصورة وقسمة الافراز، لكونها أفرزت لكل من الشركاء نصيبه.
ثانيها: القسمة بالتعديل: أي التقويم بأن تعدل السهام بالقيمة، كقسمة أرض تختلف قيمة أجزائها بقوة إنبات أو قرب ماء، أو بسبب ما فيها. كبستان بعضه نخل وبعضه عنب، وتكون الأرض بينهما نصفين، ويساوي قيمة ثلث الأرض مثلا قيمة ثلثيها.
وثالثا: القسمة بالرد وهي التي يحتاج فيها الرد أحد الشريكين للآخر مالا أجنبيا، كأن يكون في أحد جانبي الأرض المشتركة بئر، أو شجر مثلا لا يمكن قسمته، فيرد من يأخذه بالقسمة قسط قيمة البئر أو الشجر. فلو كانت قيمة كل من البئر أو الشجر مثلا ألفا رد الاخذ لذلك الجانب الذي فيه البئر أو الشجر خمسمائة، لأنها نصف الألف.
والنوع الأول من أنواع القسمة الثلاثة إقرار للحق: أي يتبين به أن ما خرج لكل هو الذي ملكه لا يبيع، والنوعان الآخران بيع لكن لا يفتقر للفظ نحو بيع أو تمليك وقبول، بل يقوم الرضا مقامهما. ويشترط للقسمة الواقعة بالتراضي في الأنواع الثلاثة رضا بها بعد خروج القرعة إن حكموا بالقرعة، كأن يقولوا رضينا بهذه القسمة، أو بما أخرجته القرعة بخلاف القسمة بالاجبار، وهو لا يكون إلا في قسمة الافراز والتعديل دون الرد، فلا يدخلها إجبار فلا يعتبر فيها الرضا لا قبل القرعة ولا بعدها. فإن لم يحكموا بالقرعة كأن اتفقوا على أن يأخذ أحدهم هذا القسم والآخر ذاك القسم، وهكذا بتراضيهم كما يقع كثيرا، فلا حاجة إلى رضا آخر، والله سبحانه تعالى أعلم.

(1) سورة النساء، الآية: 8.
(٢٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 277 278 279 280 281 282 283 284 285 286 287 ... » »»
الفهرست