إعانة الطالبين - البكري الدمياطي - ج ٤ - الصفحة ٢٣٧
يبعه عليه باعه الامام على مسلم، أو دفع له قيمته من بيت المال وأعتقه عن كافة المسلمين، والولاء يكون لهم جميعا.
(قوله: وإن أتانا بعد الهدنة) فاعل الفعل قوله بعد حر ذكر مكلف. (وقوله: وشرط رد من جاء منهم إلينا) الجملة حالية:
أي والحال أنهم شرطوا علينا في عقد الهدنة أن نرد إليهم من جاء منهم إلينا. (قوله: مسلما) حال من فاعل جاء، أو من فاعل أتانا، وهو قوله حر، ولو رفعه وجعله صفة رابعة لكان أولى. (قوله: فإن لم تكن الخ) جواب إن أتانا:
أي وإن أتانا، من ذكر مسلما ففيه تفصيل، فإن لم تكن له عشيرة: أي جماعة ثم، أي في بلاد أهل الحرب تحميه، فلا يجوز رده إليهم. وإن كان له ثم عشيرة تحميه رد إليهم بطلبهم إياه، فإن طلبه غير عشيرته لم يرد، وإن كان يحميه إلا أن يقدر المطلوب على قهر الطالب والهرب منه فيرد إليه، وعليه حمل رد النبي (ص) أبا بصير لما جاء في طلبه رجلان، فقتل أحدهما في الطريق، وهرب منه الآخر. (قوله: بالتخلية بينه وبين طالبه) تصوير للرد، فمعنى رده إليهم أن يخلي بينه وبين طالبه. (قوله: بلا إجبار الخ) أي أنه يخلي بينه وبين طالبه من غير أن نجبره على الرجوع مع طالبه، لحرمة إجبار المسلم على إقامته بدار الحرب، ولا يلزم المطلوب الرجوع مع طالبه، بل لا يجوز له إن خشي فتنة، وذلك لأنه لم يلتزمه، إذ العاقد غيره، ولهذا لم ينكر (ص) على أبي بصير امتناعه ولا قتله لطالبه، بل سره ذلك، ومن ثم سن أن يقال له سرا لا ترجع، وإن رجعت فاهرب متى قدرت أفاده في التحفة. (قوله: وكذا لا يرد الخ) أي كما أنه لا يرد من ليس له ثم عشيرة تحميه، كذلك لا يرد صبي ومجنون، وهو مفهوم قوله مكلف. (وقوله: وصفا الاسلام أم لا) أي نطقا بالشهادتين أم لا، وإنما قال وصفا ولم يقل أسلما لعدم صحة الاسلام منهما. (قوله: وامرأة) أي وكذا لا ترد امرأة: أي لئلا يطأها زوجها أو يتزوجها حربي. (وقوله: وخنثى) أي وكذا لا يرد خنثى وهما مفهوم قوله ذكر، وبقي عليه مفهوم قوله حر، وهو الرقيق، فلا يرد أيضا، لأنه جاء مسلما مراغما لسيده، وتقدم بيان كونه يعتق عليه أم لا. (قوله: أي لا يجوز ردهم) تفسير مراد لقوله وكذا لا يرد الخ، أفاد به حكمه وهو عدم الجواز. (قوله: لضعفهم) علة لعدم جواز ذلك: أي لا يجوز لضعفهم. أي الصبي والمجنون والمرأة والخنثى. قال في التحفة. فإن كمل الصبي أو المجنون واختيارهم مكناه منهم. اه‍. (قوله: ويغرمون لنا قيمة رقيق ارتد) أي وهرب منا إليهم وقد شرطوا علينا أن لا يردوا من جاءهم مرتدا آمنا. قال في المنهج وشرحه: ولو شرط عليهم في الهدنة رد مرتد جاءهم منا، لزمهم الوفاء به عملا بالشرط سواء كان رجلا أم امرأة، حرا أو رقيقا، فإن أبوا فناقضوا العهد لمخالفتهم الشرط، وجاز شرط عدم رده: أي مرتد جاءهم منا، ولو امرأة ورقيقا فلا يلزمهم رده، لأنه (ص) شرط ذلك في مهادنة قريش، ويغرمون مهر المرأة وقيمة الرقيق، فإن عاد إلينا رددنا لهم قيمة الرقيق دون مهر المرأة، لان الرقيق بدفع قيمته يصير ملكا لهم، والمرأة لا تصير زوجة. اه‍. (قوله: دون الحر المرتد) أي إذا ذهب إليهم فلا يلزمهم شئ فيه. إذ لا قيمة للحر.
خاتمة: نسأل الله حسن الختام، العقود التي تفيد الكفار الامن ثلاثة: الهدنة، والأمان، والجزية. وقد علمت ما يتعلق بالهدنة، وأنها تختص بالامام أو نائبه. وأما الأمان فلا يختص به، بل يجوز لكل مسلم مختار غير صبي ومجنون وأسير، ولو امرأة وعبدا وفاسقا وسفيها أمان جماعة من أهل الحرب محصورين قبل أسر، وذلك لقوله تعالى: * (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره) * وخبر الصحيحين: ذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم - أي يتحملها ويعقدها مع الكفار أدناهم - فمن أخفر مسلما - أي نقض عهده - فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. وخرج بمسلم

(1) سورة التوبة، الآية: 6.
(٢٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 232 233 234 235 236 237 238 239 240 241 242 ... » »»
الفهرست