أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا. ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا. قلت: ودعاء الملائكة مستجاب، ومن أمسك فلم يتلف ماله التلف الظاهر فهو تالف بالحقيقة، لقلة انتفاعه به في آخرته ودنياه، وذلك أعظم من التلف الذي هو ذهاب المال.
(واعلم) أن التصدق بالقليل من المقل أفضل عند الله من التصدق بالكثير من المكثر، قال عليه الصلاة والسلام:
سبق درهم ألف درهم. قيل له: وكيف ذلك؟ فقال عليه الصلاة والسلام: رجل لا يملك إلا درهمين تصدق بأحدهما، ورجل تصدق من عرض ماله بألف درهم، فسبق الدرهم الألف. أو كما قال عليه السلام. فصار الدرهم الواحد من المقل أفضل من الألف من المكثر - وهو صاحب المال الكثير - اه. بزيادة.
(قوله: محبط للاجر) أي مسقط لثواب الصدقة. (قوله: كالأذى) أي من المتصدق للمتصدق عليه - كأن ينهره أو يشتمه - فهو حرام محبط للاجر، للآية المارة. (قوله: قال في المجموع إلخ) مثله في التحفة والنهاية. (قوله: يكره الاخذ) أي أخذ الصدقة. ومثله المعاملة ببيع أو شراء. (قوله: كالسلطان الجائر) أي الظالم. ومثله من أكثر ماله من الربا. (قوله: وتختلف الكراهة بقلة الشبهة وكثرتها) أي فإن كانت الشبهة في ماله أكثر من عدمها - بأن كان أكثر أمواله من الحرام - كانت الكراهة أشد، وإلا فهي كراهة غير شديدة. (قوله: ولا يحرم) أي الآخذ وقوله إلا أن إلخ. أي فإنه يحرم وقوله إن هذا أي المأخوذ وقوله من الحرام أي الذي يمكن معرفة أصحابه وفي التحفة: ويجوز الاخذ من الحرام بقصد رده على مالكه، إلا إن كان مفتيا أو حاكما أو شاهدا فيلزمه التصريح بأنه إنما يأخذه للرد على مالكه، لئلا يسوء اعتقاد الناس في صدقة ودينه فيردون فتياه وحكمه وشهادته. اه. (قوله: وقول الغزالي) مبتدأ خبره شاذ. (وقوله:
يحرم إلخ) مقول القول. قال في التحفة بعده: على أنه - أي الغزالي في بسيطه - جرى على المذهب، فجعل الورع اجتناب معاملة من أكثر ماله ربا. قال: وإنما لم يحرم - وإن غلب على الظن أنه ربا - لان الأصل المعتمد في الاملاك اليد، ولم يثبت لنا فيه أصل آخر يعارضه، فاستصحب ولم يبال بغلبة الظن. اه.
(خاتمة) نسأل الله حسن الختام. تحل الصدقة لغني بمال أو كسب، ولو لذي قربى، غير النبي (ص). ولكن يستحب له التنزه عنها، ويكره له التعرض لاخذها ويحرم عليه أخذها إن أظهر الفاقة، كأن يقول ليس عندي شئ. وعليه حملوا خبر الذي مات من أهل الصفة وترك دينارين، فقال (ص) كيتان من نار. وروى أبو داود: من سأل وعنده ما يغنيه، فإنما يستكثر من النار. وينبغي للفقير أن يتنزه عن سؤال الناس، لما رواه الحاكم: من يتكفل لي أن لا يسأل الناس شيئا أتكفل له الجنة. وروى الإمام أحمد: من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته، ومن أنزلها بالله أوشك الله له بالغنى، إما بموت آجل أو غنى عاجل. وروي أيضا عن أبي ذر: لا تسأل الناس شيئا ولا سوطك وإن سقط منك حتى تنزل إليه فتأخذه. وروى البيهقي: ليستغن أحدكم عن الناس بقضيب سواك. وما أحسن قول بعضهم:
لا تسألن بني آدم حاجة * وسل الذي أبوابه لا تحجب الله يغضب إن تركت سؤاله * وبني آدم حين يسئل يغضب (وقال بعضهم):
لا تحملن من الأنام * عليك إحسانا ومنه واختر لنفسك حظها * واصبر فإن الصبر جنه منن الرجال على القلوب * أشد من وقع الاسنه اللهم اجعلنا من المعتمدين عليك، المتوجهين إليك، المحسنين إلى الاخوان، الفائزين بالجنان. آمين. والله سبحانه وتعالى أعلم.