السنة في الشريعة الإسلامية - محمد تقي الحكيم - الصفحة ١٣٦
فليقض بما في كتاب الله، فان جاءه ما ليس في كتاب الله فليقض بما قضى به نبيه صلى الله عليه وسلم، ومثل ذلك عن ابن عباس وهو كثير في كلام السلف والعلماء وهو الوجه في تفرقة الحنفية بين الفرض والواجب (1) وهذا الدليل صالح للدلالة على المبنى الأول في التقدم الرتبي، أي مع قيامه لا ينظر إلى السنة، ولا تعتبر دليلا.
وهذا المذهب من أغرب المذاهب إذ كيف يعقل الاستغناء بالكتاب عن السنة ومنها بيانه وشروحه وشروط أحكامه وأدلتها، فهل يكتفي ابن مسعود أو عمر أو ابن عباس، لو صح عنهم ذلك، بالرجوع إلى الكتاب والاكتفاء به في حكم واحد من الأحكام فضلا عن جميع ما ورد فيه منها، وهم يعلمون من طريقة الكتاب في البيان هي الاتكال على القرائن المنفصلة، والسنة هي الكفيلة ببيانها، وكيف يسوغ لهم العمل بظواهره مع هذا الاحتمال؟.
على أن هذه الأقوال لا تصلح للاستدلال بها لأنها لا تمثل أكثر من رأي أصحابها لو أرادوا ظواهرها، وهو بعيد، وهم ليسوا بمعصومين ليجب علينا التعبد بها.
نعم في اقرار النبي (ص) لمعاذ ما يصلح للاستدلال، باعتبار ان الاقرار من السنة، فالاستدلال بها استدلال بالسنة، الا أن الكلام في صحة رواية معاذ، وسيأتي في مبحث القياس اثبات أنها من الموضوعات.
فالحق ان السنة في مجالات الاستدلال صنو للكتاب وفي رتبته، بل هما واحد من حيث انتسابهما إلى المشرع الأول وهو الله عز وجل، ولا

(1) أصول الفقه للخضري، ص 237.
(١٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 » »»