بحقيقته بتخيل ان الرفع واقع في مقام الثبوت بعد وضع الحكم على الأزمان اللاحقة للعلم الحادث بتبدل المصلحة مما يوجب نسبة الجهل إلى الله تعالى وتقدس عما يتخيلون، بينما هو في واقعه لا يتجاوز مقام الاثبات لمصلحة التدرج في التبليغ، والحكم ابتداء لم يجعل الا على قدر توفر الملاك فيه، والمصلحة والمفسدة اللذان هما ملاكا الأحكام مما يتأثران بعوامل الزمان والمكان قطعا، وسيأتي إيضاح أنهما ليسا من قبيل الحسن والقبح الذاتيين دائما ليلزم الخلف والحكم في الأزمنة اللاحقة لم يثبت في مقام الجعل ليقال كيف يرتفع الحكم الثابت مع ما يلزم من فرض اثبات صفة الثبوت له.
والحقيقة ان النسخ لا يتجاوز الاخبار عن عدم تحقق الملاك في الأزمنة اللاحقة، الملازم لارتفاع الحكم ثبوتا وان أدي بصيغ الرفع في مقام التبليغ.
ولقد أشار القرآن الكريم إلى امكانه وأجمع المسلمون على وقوعه، ولم ينقل الخلاف الا عن أبي مسلم الأصفهاني ولم يحقق الناقلون مذهبه (1) وقد استظهر الخضري ان خلاف أبي مسلم انما هو في نسخ نصوص القرآن، فهو يرى أن القرآن كله محكم لا تبديل لكلمات الله (2) وما أدري ما قيمة هذا الكلام بعد تصريح القرآن بامكان النسخ في آياته (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها (3) على أن النسخ المدعى هنا ليس هو تبديلا لكلمات الله وانما هو شرح للمراد منها وتقييد أو تخصيص لظهوراتها، ثم ليس فيها مصادمة لنص لا يحتمل الخلاف، وحاشا لله ان يكذب نفسه أو وليا من أوليائه المبلغين عنه (4)، وما قلناه أو قالوه عن التخصيص يقال عن النسخ.