ان العقل يميز الأشياء ان ما يرى في المرآة ليس بجسم لكنه خيال ولما قلنا إن الشمس ليست كما يدركها البصر مثل الرغيف لكنها أعظم من الأرض كلها مائة وستة وستين ضعفا ولذلك تنبر بطلوعها ما بين السماء والأرض وتسخن بحرها الهواء والجبال والأنهار والبحار، فان أصاب الوهم آفة درس بعض تلك الآثار ونسي العقل الشئ الذي قد كان عرفه، والعقل عقلان أحدهما بالقوة والاخر بالفعل، وكلاهما واحد في جوهر هما وانما يختلفان بالزمان يعني الزمان الذي يظهر فيه فعل العقل لأنه يقال إنه يعقل الأشياء بالقوة فإذا ظهر فعله يقال إنه يعقله بالفعل، والعقل نوعان فاعل ومنفعل، فالفاعل منهما هو الذي يفكر ويميز والمنفعل هو الوهم، ويقوم الوهم في الانسان مقام الفعل إذا نام الانسان أو إذا تعير العقل، ويقال ان صور جميع الأشياء موجودة في العقل، والمثل في ذلك الماسح الذي يعرف مساحة الاشكال كلها وإن لم تحضره تلك الاشكال والشئ المعقول لا يولم العقل كما يولم المحسوس المفرط الحاسة مثل النور الزاهر فإنه ربما أسقم البصر، والصوت الشديد ربما أفسد السمع، والشئ الحار الحريف ربما أفسد حس الذوق، وقد قال فيثوغوروس الفيلسوف ان العقل جوهر بسيط نوري محيط بكل شئ، وهو أول قوة وأول صورة وأول هيولى خلقها الله، وانه أبدعه بلا متوسط وبلا كيف وبلا زمان، وكذلك خلق جواهر العالم وأصوله كلها بلا كيف وبلا زمان، لان الزمان انما هو عدد حركات الفلك فما خلق قبل الزمان لا يقال إنه خلق في زمان، وخلق الله سائر الأشياء بتوسط العقل، وخلق بعد العقل النفس التي هي سبب حركة كل متحرك في العالم ثم خلق من بعدها الطبيعة ومن بعد الطبيعة الأشياء الطبيعية كلها، وقال فالعقل هو الخير المحض الخالص بعد علة الأولى، وهو واحد وكثير لان جوهره
(٧٠)