ديوان السيد حيدر الحلي - السيد حيدر الحلي - ج ٢ - الصفحة ٩١
وكيف لا يكون كذلك من تستمد الشمس من نوره، ويعتضد الملك برأيه في مهمات أموره، ويفتخر المجد بأنه من بنيه، وبأعزهم عليه يفديه، إذ هو منبع الحكم، وينبوع السماحة والكرم، قد شهدت معاني بيانه، بباهر فضله ودل بديع تبيانه، على كمال ظرفه ونبله، وزهرت كأخلاقه وشيمه، أنوار ربيع جوده وكرمه، وعطر جيب الدهر أرج مجده، وصقل محيا الدنيا شعاع سعده، واني لما آنس كليم فكري على البعد نار ذكائه، ونودي قلبي من جانب طور مجده وعليائه عرفت أن الذي صار قلبي كله مسمعا لنداه، هو واحد الفضل الذي لا رب للكمال سواه، وحيث كان في شرع الآداب، وعرف ذوي الألباب، ان من توحد بالفضل واستجمع صفات الكمال، جدير ورب السبع المثاني أن يمدح بما تقصر عنه السبع الطوال، عملت في مديحه هذه القصيدة الحائية (864)، ونسجتها له حلة حلية، وأهديتها إليه، وأنا على ثقة من قبولها إذا نشرت لديه، وإن كنت كمهدي القطرة إلى البحر الخضم، والذرة إلى الطود الأشم، فهديتي هذه جهد المقل، إلى الجواد المكثر المفضل، على أني وإن سمتني الفصاحة حيدر خيسها، ودعتني البلاغة ليث عريسها، وكان أبي سليمان عصره، يأتيه بعرش بلقيس المعاني آصف فكرة، فيراه مستقرا لديه، ارتداد طرفه إليه، فأراني لو استخرجت الدراري من نهر المجرة، ونظمت بكف الثريا أنجم النثرة، عقودا أحلى بها نحور علياه، وأوشح بها حسان مزاياه، لما زدتها بذلك حسنا، ولا أفدت معاني جمالها جميل معنى، بل أكون كمن يقول: لماء السماء ما أطهرك، ولنور الرياض ما أزهرك، ولغض النسيم ما أطيب نفسك، وللعقد النظيم ما أنفسك:
ولم يستفد بالمدح من ليس عنده * وهل ينفع التحجيل من هو أشهب؟
هذا ورجاء الداعي من نفحات كرمك، أيها المالك رقاب المناقب والمساعي بمعالي هممك، إيصال هذه الرائية الغراء (865)، الناطقة بأبلغ الثناء، إلى حضرة صدر الوزارة الأعظم، والسيف الذي انتضت منه يد الامارة على أعدائها أقطع مخذم، منا منك لا عليك، وعائدة تكرم لك لا إليك، وهي وإن كانت حقيرة، في جنب معاليه الخطيرة، فأراها على حقارة صناعتها، ونزارة بضاعتها، أن شملتها ألطافك بنسيم العناية ولحظتها كفايتك بعين وضعتها موضعها، ووقعت منه موقعها، وهذه الحائية الغراء، والغانية العذراء، قد حدرت لمدحك نقابها، فائقة بحسنها أترابها، فأعرها سمع مسامح وهوب، واسبل (866) على قائلها من كثرة العيوب:
لتلق ملوك الأرض طوعا يد الصلح * * * * * * حذار حسام صاغه الله للفتح (867) * * *

864 راجع ص 20 من هذا الجزء.
865 انظر ص 37 من هذا الجز.
866 في الديوان المطبوع: وأسدل.
867 ذكرت في باب المدائح ص 20.
(٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 ... » »»