تقدمة لعلي لا أحتاج البينة إذا قلت أني أول من فكر من أخواني بتأليف كتاب يكفل تأريخ الأدب والأدباء في القرون المظلمة، رغبة في إيصال تأريخنا الأدبي بالعصر العباسي فان هذه الفترة من الزمن بقيت مهملة لا يهتدي لمعرفة تأريخها الأدبي معظم الأدباء ان لم أقل كلهم، ولقد عانيت جهودا كبيرة في سبيل ذلك حتى توفقت للحصول على كثير من المعلومات التي تعطي صورة واضحة عن الأدب في هذه العصور، وقد نشرت قسما من هذه الأبحاث في الصحف والمجلات منذ أكثر من خمسة عشر عاما وواصلت النشر إلى اليوم حتى انتهيت إلى تحقيق هذه الفكرة في كتاب أسميته (أدب العراق في القرون المظلمة) يقع في عشرة أجزاء ضخام.
في خلال بحثي طيلة هذا الزمن كنت أعثر على كثير من المجاميع والمخطوطات النادرة والدواوين الشعرية التي لم تنشر مما وسع من أفق معلوماتي ومما حفزني لاحياء ما أعتقد فيه صلاح النشر، من بين هذه الآثار ما طبع طبعا رديئا لا يتعدى حكمه حكم المخطوط لخلوه من الفائدة، ومن بين هذه الآثار (ديوان السيد حيدر الحلي) الذي طبع في الهند مرتين وفي كلتا الطبعتين جاء مغلطا مشوها لا يعطي الفكرة المقصودة عن شاعرية صاحبه ومقامه فضلا عما أصابه من الندرة والانقراض دفعتني رغبتي لا حيائه على طريقة صحيحة متقنة خدمة للشاعر والأدب، ونظرا إلى أنه جاء خاتمة شعراء هذه الفترة، فصرت أذيع بين الأصدقاء هذه الرغبة منذ زمن بعيد ليتسنى لي العثور على أصله أو ما يقارب صحة الأصل، بقيت أعقب بقوة وأتتبع بشوق، لأنفذ تلك الرغبة الملحة والتي خرجت عن رغبتي النفسية إلى رغبة عشرات من الاخوان والأصدقاء داخل النجف وخارجها حتى تطور الامر إلى الاعلان بالصحف والمجلات والأصدقاء داخل النجف وخارجها حتى تطور الامر إلى الاعلان بالصحف والمجلات مما حفز الكثير من الأدباء على مطالبتي بتحقيق نشره في عده رسائل هبطت على تدعوني بالحاح.
شعرت بمضايقة من أولئك الاخوان الذين أحسنوا الظن بي شرعت في تصحيح المطبوع وإضافة ما عثرت عليه من شعر لم يطبع، غير اني وجدت نفسي أمام ظلام دامس لا يقطع بسلام فاستعنت بأشخاص من أعلام الأدب كان في الطليعة عندي منهم فضيلة السيد عباس شبر فبعثت إليه بنسخة من الديوان لأستعين بذوقه الأدبي غير أنه (حفظه الله) بعد مرور عام أرجعها لي دون أن يتصرف بشئ منها، معلنا عجزه عن الاصلاح لكثرة أشغاله، ولكن لما كانت النية حسنة - فقد عثرت فجأة على ثلاث مخطوطات ثمينة لم أكد أحلم بها و حتى تصورت ان هاتفا سماويا هداني إليها فحمدت الله على هذا التوفيق وسرت قدما لا ألوي على شئ سوى إخراجه إلى عالم الطبع فكان، ما أردت بفضل فريق من الاخوان الذين سجلت شكري لهم في غير هذا المكان.
وشاء التوفيق أن يزيد من لطفه على فهيأ لي مجموعة من النوادر المخطوطة التي كفلتها خزانة الامام المصلح الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء، ومكتبة العلامة الشيخ علي حفيد الإمام الهادي من آل كاشف، الغطاء فقد وضعوا تحت تصرفي كثيرا من آثار الاباء والأجداد التي ضمت طائفة من شعر صاحب الديوان، وكان للمجموعة المخطوطة التي تفضل بها علينا الشاعر المعروف والخطيب المصقع الشيخ قاسم الملا الحلي بخط والده المرحوم كل الأثر في الاستفادة والاطلاع الزائد على ما ضمت من شعر صاحب الديوان وشعر معاصريه من الشعراء الحليين أمثال الكوازين والشيخ علي عوض، والشيخ محمد التبريزي، والنحويين أحمد وولده محمد الرضا، والحاج حسن القيم، وأمثالهم من أعلام آل القزويني.
غير أن بعض العوارض الشخصية والاغراض العاطفية التي جابهتنا سببت الاسراع في تحقيقه وطبعه مع انشغالي بمجلة (البيان).
لذا فلا أستبعد وقوع بعض الملاحظات الاملائية التي لا تغير من مفهوم القول فإذا ما وقع مثل ذلك ووقف عليه القراء الكرام، نرجو مخلصين أن لا يبخلوا علينا بملاحظاتهم لنتلافى مثل ذلك في آخر المجلد الثاني في حين أني اعتقد أن هذه الطبعة رغم الاسراع الذي لاحقها حازت على ضبط وتحقيق واستيفاء لجميع ما قاله صاحب الديوان مما سيظهر للقارئ عند المقابلة لباقي الطبعات بوضوح ومن الله نستمد التوفيق.