خزانة الأدب - البغدادي - ج ١١ - الصفحة ٢٨٤
المذهب الرابع أنها لا تأتي بمعنى قد وإنما هي للاستفهام. وذهب إليه جماعة. ثم اختلفوا في الآية فقال أبو حيان: هي على بابها من الاستفهام أي: هو ممن يسأل عنه لغرابته أتى عليه حين من الدهر لم يكن كذا لأنه يكون الجواب: أتى عليه ذلك وهو بالحال المذكورة.
وقال مكي في تقرير كونها على بابها من الاستفهام: والأحسن أن تكون على بابها للاستفهام الذي معناه التقرير وإنما هو تقرير لمن أنكر البعث فلا بد أن يقول: نعم قد مضى دهرا طويل لا إنسان فيه فيقال له: من أحدثه بعد أن يكن وكونه بعد عدمه كيف يمتنع عليه بعثه وإحياؤه بعد موته هو معنى قوله: ولقد علمتم النشأة الأولى فلو لا تذكرون أي: فهلا تذكرون فتعلمون أن من أنشأ شيئا بعد أن لم يكن قادر على أعادته بعد موته وعدمه. انتهى.
قال السمين في الدر المصون: قد جعلها لاستفهام التقرير خلافا لأبي حيان في جعله استفهاما محضا لأن التقرير الذي يجب أن يكون لأن الاستفهام لا يرد من الباري تعالى إلا على هذا النحو.
وإلى القرير ذهب الزجاح أيضا. قال: معنى هل أتى على الإنسان أي: ألم يأت على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا. واللمعنى: قد كان شيئا إلا أنه كان ترابا وطينا إلى أن نفخ فيه الروح فلم يكن قبل نفخ الروح فيه شيئا مذكورا.
ويجوز أن يكون يعنى به جميع الناس ويكون أنهم كانوا نطفا ثم علقا ثم مضغا إلى أن صاروا شيئا مذكورا. انتهى.
وقد اختار هذا المذهب ابن جني فقال في باب إقار الألفاظ على أوضاعها الأول من كتاب الخصائص: وأما هل فقد أخرجت عن بابها إلى معنى قد نحو قول الله: هل أتى على الإنسان قالوا: معناه قد أتى عليه ذلك.
(٢٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 279 280 281 282 283 284 285 286 287 288 289 ... » »»