إن أنا أرضيتها لك حتى ترضى فما الثواب قال: حكمك. فأتى إلى بابها وقد مزق ثوبه وسوده فاستأذن عليها وقال: الأمر الذي أتيت فيه عظيم فأدخل لوقته فرمى بنفسه وبكى. فقالت: ما لك يا عم قال: لي ولدان هما من المبرة والإحسان إلي في غاية وقد عدا أحدهما على أخيه فقتله وفجعني به فاحتسبته وقلت: يبقى لي ولد أتسلى به فأخذه أمير المؤمنين وقال: لا بد من القود وإلا فالناس يجترئون على القتل وهو قاتله إلا أن يغيثني الله بك فتحت الباب ودخلت على عبد الملك وأكبت على البساط تقبله وتقول: يا أمير المؤمنين قد تعلم فضل عمر بن بلال وقد عزمت على فقتل ابنه فشفعني فيه. قال عبد الملك: ما كنت بالذي أفعل: فأقبلت في الضراعة والخضوع حتى وعدها العفو عنه وصلح ما بينهما ووفى لعمر بما وعده به.
كل هذا من كتاب الجواهر في الملح والنوادر تأليف أبي إسحاق إبراهيم بن علي المعروف بالحصري صاحب زهر الآداب. وترجمة الأحوص تقدمت في الشاهد الخامس والثمانين.
وأنشد بعده وهو الشاهد الحادي والتسعون قول أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم:
* إذن لاتبعناه على كل حالة * من الدهر جدا غير قول التهازل * على أن المصدر المؤكد لغيره يكون في الحقيقة مؤكدا لنفسه لأنه إما مع صريح القول كقوله تعالى: ذلك عيسى ابن مريم قول الحق أو ما هو في معنى القول كما في هذا البيت فإن قوله جدا مصدر مؤكد لما يحتمل غيره فإن قوله اتبعناه يحتمل أن يكون قاله على سبيل الجد وهو المفهوم من اللفظ وأن يكون قاله على طريق الهزل وهو احتمال عقلي. فأكد المعنى الأول بما هو في معنى القول لأنه أراد به: قولا جدا والقرينة عليه ما بعده فإن قول التهازل يقابل قول الجد فكان الأولى أن يقول: قول جد بالإضافة ليناسب ما بعده فيكون لما حذف