خزانة الأدب - البغدادي - ج ١ - الصفحة ٢٧٤
مأخذه وإذا كان كذلك فقد وقع المضمر قبل مظهره لفظا ومعنى وهذا ما لا يجوزه القياس قيل الأمر وإن كان ظاهرة ما تقوله فإن هنا طريقا آخر يسوغك غيره وذلك أن المفعول قد شاع وأطرد كثرة تقدمه على الفاعل حتى دعا ذاك أبا علي إلى أن قال إن تقديم المفعول على الفاعل فسم قائم برأسه كما أن تقديم الفاعل قسم أيضا قائم برأسه وإن كان تقديم الفاعل أكثر وقد جاء به الاستعمال مجيئا واسعا فلما كثر وشاع تقديم المفعول صار كأن الموضع له حتى إنه إذا أخر فموضعه التقديم فعلى ذلك كأنه قال جزى عدي بن حاتم ربه ثم قدم الفاعل على أنه قد قدره مقدما عليه مفعوله فجاز لذلك ولا تستنكر هذا الذي صورته لك فإنه مما تقبله هذه اللغة ألا ترى أن سيبوية أجاز في جر الوجه من قولك هذا الحسن الوجه أن يكون من موضعين أحدهما بإضافة الحسن إليه والآخر تشبيهه له بالضارب الرجل مع أنا نعلم أن الجر في الرجل إنما جاءه من تشبيههم إياه بالحسن الوجه لكن لما أطرد الجر في الضارب الرجل صار كأنه أصل في بابه حتى دعا ذاك سيبويه إلى أن عاد فشبه الحسن الوجه به وهذا يدلك على تمكن الفروع عندهم حتى أن الأصول التي أعطت فروعها حكما قد حارت فاستعارت من فروعها ذلك الحكم فكذلك تصيير تقديم المفعول لما استمر وكثر كأنه هو الأصل وتأخير الفاعل كأنه أيضا هو الأصل ويؤكد أن الهاء في ربه لعدي بن حاتم من جهة المعنى عادة العرب في الدعاء لا تكاد تقول جزى رب زيد عمرا وإنما يقال جزاك ربك خيرا أو شرا وذلك أوفق لأنه إذا كان مجازيه ربه كان أقدر على جزائه وإيلامه ولذلك جرى العرف بذلك فاعرفه انتهى وملخص كلامه أن المفعول في هذه الصورة متقدم في الرتبة لكن تأخر لضرورة الشعر فالضمير المتصل بالفاعل عائد على متقدم حكما وهذا غير قول الشارح المحقق لشدة اقتضاء الفعل للمفعول به على أن حفيد السعد قال في حاشية المطول فيه أن ذلك لا يدفع الإضمار
(٢٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 279 ... » »»