أما الجانب الحضاري، فان كل ما هو أفضل وأحسن وأقوى إنما انتهي إليه نتيجة تفاعل الفكر الانساني في جداوله المتنوعة وسماته المختلفة، والاسلام لا يمنع الإفادة من كل تجربة رائدة تصل إليها أمة من الأمم وتطرحها في سلة موضوعات مختلفة ينتظمها الاسلام بعد ذلك تحت حكم من الاحكام أو قاعدة من القواعد، فكما اتبع الاسلام في منهجه إقرار كثير من الأمور التي كانت في الشرائع السابقة (ومصدق الذي بين يديه) الانعام 93، فكذلك خصص قسما من مساحته لاحتواء ثمرات العقول والأعراف والعادات وتوظيفها في ميادين الخدمة العامة، والثقافات التي حصيلة الجهد الانساني في قومياته المتنوعة رافد يجب الإفادة منه اعترافا بأهمية الجهد السليم، وتكريما للعقل الذي هو ملاك الثواب والعقاب.
والاسلام بعد ذلك يملك من المناعة ما يقوى به على هضم وتمثيل تلك الأطعمة والاستفادة منها وصهرها في بوتقته بحيث تحمل سماته ولا تخرج عن بصماته. إن من له أدنى إلمام بابعاد المعرفة المتنوعة يعرف فيها تنوع المصدر والطعوم والألوان المتعددة. وكان الامتزاج بين القوميات عن طريق التزاوج من أهم تلك العوامل في توفير هذا الرصيد الضخم من الفكر. وقد حقق الاسلام هذا الانجاز بدون ضجة ولا ادعاءات، وانما سكب هذه الجداول في مجري واحد بعملية هي غاية في الهدوء والبساطة.
7 - الاستفادة من ثمرات هذا التزاوج:
وذلك أن من يولد من أم أمة تنتمي إلى شعب من الشعوب يعد ويهيأ لحمل الرسالة إلى أخواله من أي شعب، وبذلك يخترق الاسلام حاجزا نص علماء النفس وعلماء الاجتماع على وجوده كما هو مبسوط في كتبهم إذ قالوا: إن الداعية أو العالم الغريب إذا دخل إلى أمة تقف منه موقف المستريب ولا تطمئن إليه. بعكس من يكون منها ومن