الفضائل والرذائل - المظاهري - الصفحة ٩٣
ذلك من أجل تركه الأولى حينما خرج عن قومه بدون إذن من الله سبحانه وأخيرا فان بعض الأنبياء وبعض الأفراد الذين يقتدون بالمعصومين يتألمون وتضطرب قلوبهم من المكروهات، ومن الشبهات، وأخيرا من ترك الأولى لأن معرفتهم أكثر من معرفة الآخرين، وبنفس هذا المقدار تتألم قلوبهم وتكون قلوبهم أمام الله ذليلة أكثر، وبكاؤهم أكثر.
ونقرأ حول آدم (ع) أنه عندما أخرج من الجنة وجاء إلى هذه الدنيا، لم يرفع رأسه مائتي عام. كان يطأطئ رأسه دائما حياء لم يكن قد فعل شيئا، لم يرتبك ذنبا، كان معصوما. قيل له فقط لا تأكل من هذه الحنطة، وإذا أكلت منها فيجب أن تخرج من الجنة. أي أنه فهم أن الله سبحانه يريد منه أن لا يأكل من هذه الحنطة. أكله منها عمل غير جيد، مكروه، ومستحب له أن لا يأكل منها. ومن أجل هذا العمل الذي لم يكن في محله ولم يكن ذنبا أيضا بكى مائتي عام. كان يطأطئ رأسه مائتي عام حتى جاءه جبرئيل وقال: يا آدم إن الله تعالى يقول لك: توسل بأهل البيت وارفع رأسك فإني قد غفرت لك. ونطلق على هذه التوبة توبة الخواص.
توبة أخص الخواص:
والأعلى رتبة مما سبق هي توبة أخص الخواص، توبة النبي الأكرم (ص) حين يقول:
انه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم سبعين مرة (4). أي لأجل تطهير قلبي من الالتفات لغير الله. فيستغفر ذلك الاستغفار الذي يخرج من القلب لا من اللسان. وأمير المؤمنين (ع) كان له اتصال مع الناس في النهار، يأكل ويشرب وينام. وهذا الالتفات إلى غير الحق في نظره (ع) ذنب. وهذا ليس من ترك الأولى، ولا إتيان للمكروه، بل وعلى حد تعبير الحاج السبزواري (ره): هو مجرد ذلك الالتفات إلى غير الحق، ومعرفة أمير المؤمنين (ع) ومعرفة الزهراء (ع) ومعرفة النبي الأكرم (ص) والأئمة الطاهرين (ع) تقتضي أن يتوجهوا إلى الحق دائما.
ولهذا فإن دعاء كميل وذلك البكاء والدموع من أمير المؤمنين (ع)، ودعاء أبي حمزة الثمالي وذلك التضرع والأنين من الإمام السجاد (ع)
(٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 ... » »»