وأثبت ذلك في اللوح المحفوظ، هذا من جهة ومن جهة أخرى ان علاقة القضاء والقدر بالعباد هي انهم وإن كانوا مختارين يفعلون ما يريدون من خير أو شر ليكون الجزاء لهم طبق ما صدر منهم، ولكن ذلك لا يقع منهم إلا بمقدار ما أراد الله وقوعه لا أكثر ولا أقل، مثلا قد يشاء الإنسان ان يفعل بعض الجرائم والله لا يريد وقوع تلك الجرائم فيحول جل وعلا بينه وبين ما يريد القيام به فلا تقع منه وقد لا يحول بينه وبين ذلك حتى يقترف الإنسان تلك الجرائم باختياره وتقع منه بالفعل ذلك لأن مشيئة الله وإرادته هي المهيمنة والمسيطرة على إرادة العبد والسابقة لها كلها كما قال تعالى: (وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما ([الدهر / 31]، فما شاء الله وقوعه في هذا الكون الواسع وقع بالفعل سواء مما كونه الله أو شرعه أو مما فعله الإنسان وصنعه من خير أو شر وكله مسجل عند الله في لوحه المحفوظ وإليه الإشارة في هذه الآية الكريمة التي هي موضع البحث: (ما أصاب من مصيبة في الأرض (كقحط المطر وقلة النبات ونقص الثمر أو زيادتها، (ولا في أنفسكم (كالفقر والمرض ونقص في الأولاد أو بعكس ذلك، (إلا في كتاب (أي إلا وهو مثبت في اللوح المحفوظ، (من قبل أن نبرأها (أي من قبل أن نخلق الأنفس أو ما يصيبها، (إن ذلك على الله يسير (، (لكيلا تأسوا على ما فاتكم (أي أخبرنا كم بإثبات تلك المصائب في اللوح المحفوظ لئلا تحزنوا على ما يفوتكم من نعم الدنيا وما يصيبكم فيها، والمراد من الحزن في هذه الآية انما هو الحزن الذي يهلك الأنفس ويذهل عن الثواب المعد لها الذي ينافي الصبر والتسليم لأمر الله أما غير هذا من التأثر النفسي وجريان الدموع وسائر ما يصيب المؤمنين من التأثرات النفسية العديدة فإنه لا مانع منه.
(٣٦٢)